للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجاهِليةِ، وقد نَفاه الشَّرعُ، قالَ اللهُ تَعالى: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ﴾ الآيةُ [المائدة: ١٠٣]، وليسَ التَّسييبُ في الدَّوابِّ نَظيرَ الإِعتاقِ في العَبيدِ، فبالإِعتاقِ تَحدثُ فيه صِفةُ المالِكيةِ فتَنتفي المَملوكيةُ، وبالتَّسييبِ لا تُحذفُ صِفةُ المالِكيةِ في الدَّوابِّ، وإذا بقيَت مَملوكةً كانَت لصاحِبِها، وحُرمةُ المِلكِ باعتِبارِ حُرمةِ المالِكِ، فلا يَملكُها أَحدٌ بالأَخذِ.

وذُكرَ عن الشَّعبيِّ أنَّه قالَ: يَأخذُها صاحِبُها ولا نَفقةً له على الذي أَحياها إنْ كانَ أنفَقَ مِنْ مالِه، وبهذا تبيَّنَ أنَّ الحَديثَ الأَولَ وَهمٌ، فالشَّعبيُّ هو الذي رَواه، وما كانَ يُفتي بخِلافِ ما يَروي عن النَّبيِّ ، ثُم مِثلُ هذا الحَديثِ الشاذِّ لا يَكونُ مَعمولًا به؛ إذ كانَ مخالِفًا للأُصولِ، فكانَ الرُّجوعُ إلى المَقامِ المُتفقِ على قُبولِه -وهو قَولُه : «لا يَحلُّ مالُ امرئٍ مُسلِمٍ إلا بطِيبةِ نَفسٍ مِنه» - أَولى، وكذلك قَولُه : «مَنْ وجَدَ عينَ مالِه فهو أَحقُّ به» دَليلٌ على صِحةِ ما قُلنا، وكانَ عُمرُ بنُ عبدِ العَزيزِ يَقولُ: يَأخذُها صاحِبُها ويَردُّ على المُنفقِ ما أنفَقَ عليه مِنْ مالِه، وقالَ الشَّعبيُّ: ليسَ عليه شيءٌ مِنْ النَّفقةِ إنْ كانَ أنفَقَ بغيرِ ما أنفَقَ عليه مِنْ مالِه، وقالَ الشَّعبيُّ: ليسَ عليه شيءٌ مِنْ النَّفقةِ إنْ كانَ أنفَقَ بغيرِ إِذنِه. وبقَولِ الشَّعبيِّ نأخُذُ؛ لأنَّه مُتبرِّعٌ بالإِنفاقِ على مِلكِ الغَيرِ بغَيرِ إِذنِه، وهو يُريدُ أنْ يُلزمَه دَينًا في ذِمتِه لنَفسِه، وليسَ لأَحدٍ هذه الوِلايةُ على غَيرِه، فأمَّا عُمرُ بنُ عبدِ العَزيزِ فكانَ يَقولُ: دَلالةُ الإِذنِ في الإِنفاقِ مِنْ صاحِبِها مَعلومٌ بطَريقِ الظاهِرِ؛ لأنَّه لو تَمكنَ مِنْ إِخراجِها أنفَقَ عليها مِنْ مالِ نفسِه، فإذا عجَزَ عن ذلك كانَ مُستعينًا بكلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>