للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا حضَرَ مالِكُها فللمُلتقِطِ أنْ يَمنَعَها مِنه حتى يُحضرَ النَّفقةَ؛ لأنَّه أَحيا مِلكَه بنفَقتِه فصارَ كأنَّه استَفادَ المِلكَ مِنْ جِهتِه فأَشبهَ المَبيعَ؛ وأَقربُ مِنْ ذلك رادُّ الآبقِ، فإنَّ له الحَبسَ لاستِيفاءِ الجُعلِ لما ذكَرْنا، ثُم لا يَسقطُ دَينُ النَّفقةِ بهلاكِه في يدِ المُلتقطِ قبلَ الحَبسِ، ويَسقطُ إذا هلَكَ بعدَ الحَبسِ؛ لأنَّه يَصيرُ بالحَبسِ شَبيهَ الرَّهنِ (١).

وذهَبَ الشافِعيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه لا يَجوزُ التِقاطُ البَقرِ، وأنَّ حُكمَها كحُكمِ التِقاطِ الإِبلِ؛ لما رُويَ عن مُنذرِ بنِ جَريرٍ قالَ: كُنت معَ أَبي جَريرٍ بالبَوازيجِ في السَّوادِ، فراجَعت البَقرُ فرَأى بقرَةً أَنكرَها، فقالَ: ما هذه البَقرةُ؟ قالَ: بَقرةٌ لَحقَت بالبَقرِ، فأَمرَ بها فطُرِدَت حتى توارَت، ثُم قالَ: سمِعتُ رَسولَ اللَّهِ يقولً: «لا يُؤوي الضالَّةَ إلا ضالٌّ» (٢).

فجَريرٌ طرَدَ البَقرةَ ولَم يَأخذْها، ولأنَّها تَمتنعُ عن صِغارِ السِّباعِ وتُجزئُ في الأُضحيةِ والهَدي عن سَبعةٍ فأَشبهَت الإِبلَ.

ولأنَّ الأَصلَ عدمُ جوازِ الالتِقاطِ؛ لأنَّه مالُ غيرِه فكانَّ الأَصلُ عدمَ جَوازِ أَخذِه كغيرِ الضالَّةِ، وإنَّما جازَ الأَخذُ لحِفظِ المالِ على صاحِبِه، وإذا كانَ مَحفوظًا لَم يَجزْ أَخذُه.


(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ٢٠٠)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٤/ ٣٤٦، ٣٤٧)، و «الهداية» (٢/ ١٧٦)، و «العناية» (٨/ ٢٠٩، ٢١٠)، و «الاختيار» (٣/ ٣٩)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ١٩٣، ١٩٤)، و «اللباب» (١/ ٦٦٤).
(٢) القصة ضعيفة، والمرفوع منه صحيح: رواه أبو داود (٢٧٢٠)، وابن ماجه (٢٥٠٣)، وأحمد في «المسند» (١٩٢٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>