قالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: وللإِمامِ أو نائِبِه أَخذُ الضالَّةِ على وَجهِ الحِفظِ لصاحِبِها؛ لأنَّ عُمرَ ﵁ حَمى مَوضِعًا يُقالُ له النَّقيعُ لخَيلِ المُجاهِدينَ والضَّوالِّ.
ولأنَّ للإِمامِ نَظرًا في حِفظِ مالِ الغائِبِ، وفي أَخذِ هذه حِفظٌ لها عن الهَلاكِ، ولا يَلزمُه تَعريفُها لأنَّ عُمرَ ﵁ لَم يَكنْ يُعرِّفِ الضَّوالَّ، ولأنَّه إذا عرَّفَ ذلك فمَن كانَت له ضالةٌ فإنَّه يَجيءُ إلى مَوضعِ الضَّوالِّ، فإذا عرَفَ ضالَّته أَقامَ البَينةَ عليها وأخَذَها، ولا يَكتَفي فيها بالصِّفةِ؛ لأنَّها ظاهِرةٌ بينَ النَّاسِ، فيَعرفُ صِفاتَها مَنْ رآها مِنْ غيرِ أَهلِها، فلا تَكونُ الصِّفةُ لها دَليلًا على مِلكِه لها، ولأنَّ الضالَّةَ قد كانَت ظاهِرةً بينَ الناسِ حينَ كانَت في يدِ مالِكِها، فلا يَختصُّ هو بمَعرفةِ صِفاتِها دونَ غيرِه، فلَم يَكنْ ذلك دَليلًا، ويُمكنُه إِقامةُ البَينةِ عليها لظُهورِها للناسِ ومَعرفةِ خُلطائِه وجِيرانِه بمِلكِه إيَّاها.
وإنْ أخَذَها غيرُ الإِمامِ أو نائِبُه ليَحفظَها لصاحِبِها لَم يَجزْ له ذلك ولزَمَه ضَمانُها؛ لأنَّه لا وِلايةَ له على صاحِبِها، وهذا ظاهِرُ مَذهبِ الشافِعيِّ، ولأَصحابِه وَجهٌ أنَّ له أَخذَها لحِفظِها قِياسًا على الإِمامِ، ولا يَصحُّ؛ لأنَّ النَّبيَّ ﷺ منَعَ أَخذَها مِنْ غيرِ تَفريقٍ بينَ قاصِدِ الحِفظِ وقاصِدِ الالتِقاطِ، ولا يَصحُّ القِياسُ على الإِمامِ لأنَّ له وِلايةً وهذا لا وِلايةَ له، وإنْ وجَدَها في مَوضعٍ يَخافُ عليها به مِثلُ أنْ يَجدَها بأَرضٍ مُسبعةٍ يَغلبُ على الظَّنِ أنَّ الأَسدَ يَفترسُها إنْ تُركَت به أو فَرسًا مِنْ دارِ الحَربِ يَخافُ عليها