للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخذِها صِيانةً لها، وما لها مِنْ القوَّةِ ربَّما يَكونُ سَببًا للضَّياعِ، كما هو سَببُ الصِّيانةِ عن السِّباعِ فتَعارَضا، فأُلحِقَت بالشَّاةِ.

ولأنَّ الأَخذَ حالَ خَوفِ الضَّيعةِ إِحياءٌ لمالِ المُسلِمِ فيَكونُ مُستحبًّا، وحالَ عدمِ الخَوفِ ضَربُ إِحرازٍ فيَكونُ مُباحًا كما ذكَرْنا.

وأمَّا الحَديثُ فلا حُجةَ فيه؛ لأنَّ المُرادَ مِنه أنْ يَكونَ صاحِبُه قَريبًا مِنه، ألا تَرى أنَّه قالَ: «حتى يَلقاها ربُّها»، وإنَّما يُقالُ ذلك إذا كانَ قَريبًا أو كانَ رَجاءُ اللِّقاءِ ثابتًا.

والدَّليلُ عليه أنَّه لمَّا سأَلَه عن ضالَّةِ الغَنمِ قالَ: «خُذْها، فإنَّها لك أو لأَخيك أو للذِّئبِ» دَعاه إلى الأَخذِ ونبَّهَ على المَعنى وهو خَوفُ الضَّيعةِ، وإنَّه مَوجودٌ في الإِبلِ، والنَّصُّ الوَاردُ فيها أَولى أنْ يَكونَ وارِدًا في الإِبلِ وسائِرِ البَهائمِ دَلالةً، إلا أنَّه فصَلَ بينَهما في الجَوابِ مِنْ حيثُ الصُّورةُ لهُجومِ الذِّئبِ على الغَنمِ إذا لَم يَلقَها رَبُّها عادةً بَعيدًا كانَ أو قَريبًا، وكذلك الإِبلُ لأنَّها تَذبُّ عن نفسِها عادةً.

أو يُحملُ أنَّه كانَ في زَمنِ النَّبيِّ حينَ كانَ الخَوفُ مِنْ الافتِراسِ لا مِنْ أَخذِ النَّاسِ؛ أمَّا اليومُ كثُرَ الفَسادُ والخِيانةُ وقِلةُ الأَديانِ والأَمانةِ، فكانَ أَخذُه أَولى، فإنْ أنفَقَ عليه فسيَأتِي حُكمُه في المَسألةِ القادِمةِ (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ٢٠٠)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٤/ ٣٤٦، ٣٤٧)، و «الهداية» (٢/ ١٧٦)، و «العناية» (٨/ ٢٠٩، ٢١٠)، و «الاختيار» (٣/ ٣٩)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ١٩٣، ١٩٤)، و «اللباب» (١/ ٦٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>