وقالَ الحَنفيةُ: يَجوزُ الالتِقاطُ في الشَّاةِ والبَقرِ والبَعيرِ، فإنْ أنفَقَ المُلتقِطُ عليها بغيرِ إِذنِ الحاكِمِ فهو مُتبَرعٌ لقُصورِ وِلايتِه عن ذِمةِ المالِكِ، وإنْ أنفَقَ بأمرِه كانَ ذلك دَينًا على صاحِبِها؛ لأنَّ للقاضِي وِلايةً في مالِ الغائِبِ نظرًا له، وقد يَكونُ النَّظرُ في الإِنفاقِ.
وإذا رفَعَ ذلك إلى الحاكِمِ نظَرَ فيه، فإنْ كانَ للبَهيمةِ مَنفعةٌ آجرَها وأنفَقَ عليها من أُجرتِها؛ لأنَّ فيه إِبقاءَ الَعينِ على مِلكِه مِنْ غيرِ إِلزامِ الدَّينِ عليه.
وإنْ كانَ الأَصلحُ الإِنفاقُ عليها أذِنَ الحاكِمُ في ذلك وجعَلَ النَّفقةَ دَينًا على مالِكِها؛ لأنَّه نصَّبَ ناظِرًا، وفي هذا نَظرٌ مِنْ الجانِبينِ، قالُوا: إنَّما يَأمرُ بالإِنفاقِ يَومينِ أو ثَلاثةَ أَيامٍ على قدرِ ما يَرى؛ رَجاءَ أنْ يَظهرَ مالِكُها، فإذا لَم يَظهرْ يَأمرُ ببَيعِها؛ لأنَّ استِدامةَ النَّفقةِ مُستأصَلةٌ فلا نَظرَ في الإِنفاقِ مُدةً مَديدةً.
وإذا حضَرَ مالِكُها فللمُلتقِطِ أنْ يَمنعَها مِنه حتى يُحضرَ النَّفقةَ؛ لأنَّه أَحيا مِلكَه بنَفقتِه فصارَ كأنَّه استَفادَ المِلكَ مِنْ جِهته فأَشبهَ المَبيعَ؛ وأَقربُ مِنْ ذلك رادُّ الآبقِ، فإنَّ له الحَبسَ لاستِيفاءِ الجُعلِ لما ذكَرْنا، ثُم لا يَسقطُ دَينُ النَّفقةِ بهَلاكِه في يدِ المُلتقِطِ قبلَ الحَبسِ، ويَسقطُ إذا هلَكَ بعدَ الحَبسِ؛ لأنَّه يَصيرُ بالحَبسِ شَبيهَ الرَّهنِ (١).
(١) «الهداية» (٢/ ١٧٦)، و «العناية» (٨/ ٢٠٩، ٢١٠)، و «الاختيار» (٣/ ٣٩)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ١٩٣، ١٩٤)، و «اللباب» (١/ ٦٦٤)