للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

: «فأدِّها إليه»، وقالَ: لا يُؤدِّي إليه شيئًا بعدَ الحَولِ، استِدلالًا مِنه بقَولِه : «فشَأنَك بها»، قالَ: لأنَّ هذا إِطلاقٌ مِنه -على ملكِها فلا يَلزمُه تَأديتُها، وهذا قَولٌ يُؤدِّي إلى تَناقضِ السُّننِ، وقد جلَّ الرَّسولُ عن أنْ يَتناقضَ، وقولُه : «فأدِّها إليه» فيه بَيانٌ وتَفسيرٌ لقَولِه : «فشَأنَك بها»، ولو كانَ المُرادُ بقَولِه: «فشَأنَك بها» إِطلاقَ يدِه عليها وسُقوطَ ضَمانِها عنه لبطَلَت فائِدةُ قولهِ: «فأدِّها إليه»، واستِعمالُ الحَديثَينِ لفائِدَتينِ أَولى مِنْ إِسقاطِ أَحدِهما، هذه طَريقةُ العُلماءِ في التَّأليفِ بينَ الآثارِ، والقَضاءِ بالمُجملِ على المُفسِّرِ (١).

قالَ الإِمامُ القُرطبيُّ : ليسَ في قَولِه في اللُّقطةِ بعدَ التَّعريفِ: «فاستَمتِعْ بها» أو «فشَأنَك بها» أو «فهي لك» أو «فاستَنفِقْها» أو «ثُم كُلْها» أو «فهو مالُ اللهِ يُؤتِيه مَنْ يَشاءُ» على ما في صَحيحِ مُسلمٍ وغيرِه ما يَدلُّ على التَّمليكِ وسُقوطِ الضَّمانِ عن المُلتقِطِ إذا جاءَ ربُّها، فإنَّ في حَديثِ زَيدِ بنِ خالِدٍ الجُهنيِّ عن النَّبيِّ : «فإنْ لَم تَعرِفْ فاستَنفِقْها ولتَكنْ وَديعةً عندَك، فإنْ جاءَ صاحِبُها يومًا مِنْ الدَّهرِ فأدِّها إليه» وفي رِوايةٍ: «ثُم كُلْها، فإنْ جاءَ صاحِبُها فأدِّها إليه» أخرَجَه البُخاريُّ ومُسلمٌ.

وأَجمعَ العُلماءُ على أنَّ صاحِبَها متى جاءَ فهو أَحقُّ بها، إلا ما ذهَبَ إليه داودُ مِنْ أنَّ المُلتقِطَ يَملكُ اللُّقطةَ بعدَ التَّعريفِ لتلك الظَّواهرِ، ولا التِفاتَ لقَولِه لمِخالَفةِ النَّاسِ ولقَولِه : «فأدِّها إليه» (٢).


(١) «شرح صحيح البخاري» (٦/ ٥٦٠، ٥٦١).
(٢) «تفسير القرطبي» (٩/ ١٣٧، ١٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>