للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَفريطٍ فلا ضَمانَ عليك، وليسَ مَعناه مَنعَه مِنْ تَملُّكِها، بل له تَملُّكُها على ما ذكَرْناه للأَحاديثِ الباقِيةِ الصَّريحةِ، وهي قَولُه : «ثُم استَنفقَ بها فاستنفَقَها»، وقد أَشارَ إلى هذا في الرِّوايةِ الثانِيةِ بقَولِه: «فإنْ لَم تَعرِفْ فاستَنفِقْها ولتَكنْ وَديعةً عندَك» أي لا يَنقطعُ حقُّ صاحِبِها، بل متى جاءَها فأدِّها إليه إنْ كانَت باقِيةً وإلا فبَدلُها، وهذا مَعنى قولِه : «فإنْ جاءَ صاحِبُها يومًا مِنْ الدَّهرِ فأدِّها إليه»، والمُرادُ أنَّه لا يَنقطعُ حقُّ صاحِبِها بالكُليةِ، وقد نقَلَ القاضِي وغيرُه إِجماعَ المُسلِمينَ على أنَّه إذا جاءَ صاحِبُها بعدَ التَّمليكِ ضمِنَها المُتملِّكُ، إلا دَاودَ فأسقَطَ الضَّمانَ، واللهُ أَعلمُ (١).

وقالَ الإِمامُ ابنُ عبدِ البرِّ : قولُه في حَديثِ عِياضِ بنِ حِمارٍ: «فإنْ جاءَ صاحِبُها فهو أَحقُّ بها وإلا فهو مالُ اللهِ يُؤتِيه مَنْ يَشاءُ» وهذا مَعناه انطِلاقُ يدِ المُلتقِطِ وتَصرُّفُه فيها بعدَ الحَولِ، ولكنَّه يَضمنُها إنْ جاءَ صاحِبُها، واجِبٌ ذلك بإِجماعِ المُسلِمينَ؛ لأنَّه مُستهلِكٌ مالَ غيرِه، وقد أجمَعُوا أنَّ مَنْ استَهلكَ مالَ غيرِه وأنفَقَه بغيرِ إِذنِه غرِمَه وضمِنَه، ومَن استَهلكَ لغيرِه شيئًا مِنْ المالِ ضمِنَه بأيِّ وَجهٍ استَهلكَه، وهذا مالا خِلافَ فيه (٢).


(١) «شرح صحيح مسلم» (١٢/ ٢٤، ٢٥).
(٢) «التمهيد» (٣/ ١١٩، ١٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>