للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ ابنُ قدامةَ : ولا نَعلمُ خِلافًا بينَ أَهلِ العِلمِ في إِباحةِ أَخذِ اليَسيرِ والانتِفاعِ به، وقد رُويَ ذلك عن عُمرَ وعَليٍّ وابنِ عُمرَ وعائِشةَ، وبه قالَ عَطاءٌ وجابِرُ بنُ زَيدٍ وطاوُسٌ والنَّخَعيُّ ويَحيى بنُ أَبي كَثيرٍ ومالِكٌ والشافِعيُّ وأَصحابُ الرَّأيِ (١).

وقالَ الإِمامُ النَّوويُّ : وفيه -أي الحَديثُ- أنَّ التَمرةَ ونحوَها مِنْ مُحقَّراتِ الأَموالِ لا يَجبُ تَعريفُها، بل يُباحُ أَكلُها والتَّصرفُ فيها في الحالِ؛ لأنَّه إنَّما ترَكَها خَشيةَ أنْ تَكونَ مِنْ الصَّدقةِ لا لكَونِها لُقطةً، وهذا الحُكمُ مُتفَقٌ عليه، وعلَّلَه أَصحابُنا وغيرُهم بأنَّ صاحِبَها في العادَةِ لا يَطلبُها ولا يَبقى له فيها مَطمعٌ واللهُ أَعلمُ (٢).

وقالَ الإِمامُ ابنُ الهُمامِ : وإنْ كانَت اللُّقطةُ شيئًا يُعلَمُ أنَّ صاحِبَها لا يَطلبُه كالنَّواةِ وقُشورِ الرُّمانِ يَكونُ إِلقاؤُه إِباحةً، فيَجوزُ الانتِفاعُ بها للواجِدِ بلا تَعريفٍ، وعنه أنَّه رَأى تَمرةً في الطَّريقِ فقالَ: «لَولا أَخشى أنْ تَكونَ مِنْ تَمرِ الصَّدقةِ لأكَلتُها». ولا يُعلَمُ فيه خِلافٌ بينَ العُلماءِ، ولكنْ تَبقى على مِلكِ مالِكِها حتى إذا وجَدَها في يدِه له أَخذُها؛ لأنَّ الإِباحةَ لا تُخرِجُه عن مُلكِ مالِكِه، وإنَّما إِلقاؤُها إِباحةٌ لا تَمليكٌ؛ لأنَّ التَّمليكَ مِنْ المَجهولِ لا يَصحُّ (٣).


(١) «المغني» (٦/ ٦).
(٢) «شرح صحيح مسلم» (٧/ ١٧٧، ١٧٨).
(٣) «شرح فتح القدير» (٦/ ١٢٢)، ويُنْظَر: «تبيين الحقائق» (٣/ ٣٠٤)، و «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٦/ ٥٥٥)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٢٣١)، و «المهذب» (١/ ٤٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>