للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ الأَكثرونَ مِنْ الشافِعيةِ إلى أنَّه إذا أخَذَها ليَحفظَها على ربِّها أبدًا ولا يَتملكَها لَم يَجبْ عليه التَّعريفُ؛ لأنَّ الشَّرعَ إنَّما أَوجَبَه لَمَّا جعَلَ له التَّملكَ بعدَه، ولأنَّ مالِكَها يَنشدُها فيَعلمُ به آخِذُها للحِفظِ.

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ في قَولٍ رجَّحَه النَّوويُّ وغيرُه والحنابلةُ إلى أنَّه يَجبُ على المُلتقِطِ أنْ يُعرِّفَ اللُّقطةَ؛ لِما رَواه مُسلمٌ عن زَيدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنِيِّ عن رَسولِ اللَّهِ أنَّه قالَ: «مَنْ آوَى ضالةً فهو ضالٌّ ما لَم يُعرِّفْها» (١).

قالَ الإِمامُ النَّوويُّ : هذا دَليلٌ للمَذهَبِ المُختارِ أنَّه يَلزمُه تَعريفُ اللُّقطةِ مُطلقًا، سَواءٌ أرادَ تَملُّكَها أو حِفظَها على صاحِبِها، وهذا هو الصَّحيحُ (٢).

ولأنَّ النَّبيَّ أمَرَ بالتَّعريفِ ولَم يُفرِّقْ بينَ مَنْ أخَذَها ليَمتلكَها وبينَ مَنْ أخَذَها ليَحفظَها على صاحِبِها، ولأنَّ حِفظَها لصاحِبِها إنَّما يُقيَّدُ باتِّصالِها إليه وطَريقةِ التَّعريفِ، أمَّا بَقاؤُها في يدِ المُلتقِطِ مِنْ غيرِ وُصولِها إلى صاحِبِها فهو وهَلاكُها سِيانِ، ولأنَّ إِمساكَها مِنْ غيرِ تَعريفٍ تَضييعٌ لها عن صاحِبِها فلَم يَجزْ كردِّها إلى مَوضعِها أو إِلقائِها في غيرِه، ولأنَّه لو لَم يَجبِ التَّعريفُ لمَا جازَ الالتِقاطُ؛ لأنَّ بَقاءَها في مَكانِها إذًا أَقربُ إلى وُصولِها إلى صاحِبِها إمَّا بأنْ يَطلبَها في المَوضعِ الذي ضاعَت فيه


(١) أخرجه مسلم (١٧٢٥).
(٢) «شرح صحيح مسلم» (١٢/ ٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>