للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولِما في الصَّحيحَينِ عن أَبي سَعيدٍ ، قالَ: انطلَقَ نفرٌ مِنْ أَصحابِ النبِيِّ في سَفرَةٍ سافرُوها، حتى نزَلُوا على حيٍّ مِنْ أَحياءِ العَربِ، فاستَضافُوهم فأَبَوا أنْ يُضَيِّفوهم، فلُدغَ سَيدُ ذلكَ الحيِّ، فسَعَوا له بكلِّ شيءٍ لا يَنفعُه شيءٌ، فقالَ بَعضُهم: لو أَتيتُم هؤلاء الرَّهطَ الذين نزَلُوا، لعلَّه أنْ يَكونَ عندَ بَعضِهم شيءٌ، فأَتَوهُم، فقالُوا: يا أيُّها الرَّهطُ إنَّ سيِّدَنا لُدغَ، وسعَيْنا له بكلِّ شيءٍ لا يَنفعُه، فهل عندَ أحدٍ مِنكم مِنْ شيءٍ؟ فقالَ بَعضُهم: نعَم، واللهِ إنِّي لأَرقِي، ولكنْ واللهِ لقد استَضفنَاكم فلَم تُضيِّفُونا، فما أنَا بِراقٍ لكم حتى تَجعلُوا لنا جُعلًا، فصَالَحوهم على قَطيعٍ مِنْ الغَنمِ، فانطَلقَ يَتفِلُ عليه، ويَقرأُ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، فكأنَّما نُشطَ مِنْ عِقالٍ، فانطَلقَ يَمشِي وما به قَلبَةٌ، قالَ: فأَوفَوْهم جُعلَهم الذي صالَحُوهم عليه، فقالَ بَعضُهم: اقسِمُوا، فقالَ الذي رَقى: لا تَفعَلوا حتى نَأتِيَ النَّبيَّ فنَذكُرَ له الذي كانَ، فنَنظُرَ ما يَأمرُنا، فقدِمُوا على رَسولِ اللهِ فذَكَرُوا له، فقالَ: «وما يُدرِيك أنَّها رُقيةٌ»، ثُم قالَ: «قد أصَبتُم، اقسِمُوا، واضرِبُوا لي معَكم سَهمًا» فضحِكَ رَسولُ اللهِ » (١)، والقَطيعُ: ثَلاثونَ رَأسًا مِنْ الغَنمِ.

ولأنَّ الحاجَةَ تَدعُو إلى ذلك، فإنَّ العَملَ قد يَكونُ مَجهولًا، كردِّ الآبِقِ والضَّالةِ ونَحوِ ذلك، ولا تَنعقدُ الإِجارةُ فيه والحاجَةُ داعيَةٌ إلى ردِّهما، وقد لا يَجدُ مَنْ يَتبرعُ به فدَعَت الحاجَةُ إلى إِباحةِ بَذلِ الجُعلِ فيه معَ جَهالةِ العَملِ؛ لأنَّها غيرُ لازِمةٍ بخِلافِ الإِجارةِ، ألا تَرى أنَّ الإِجارةَ لمَّا كانَت


(١) أخرجه البخاري (٢١٥٦)، ومسلم (٢٢٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>