للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثانِيةُ: أنْ يَأخذَها لغيرِ الحِفظِ: إذا أخَذَها لا بنِيةِ الحِفظِ ولا بنِيةِ اغتِيالِها فإنَّه لا يضمَنُ إذا ردَّها بالقُربِ بلا خِلافٍ، ويَضمنُ إذا ردَّها بَعد البُعدِ، وذلك مِثلُ أنْ يَجدَ ثَوبًا وهو يَظنُّه لقَومٍ بينَ يَديِه يَسألُهم عنه، فهذا إنْ لَم يَعرِفوه ولا ادَّعَوه كانَ له أنْ يَردَّه حيثُ وجَدَه، ولا ضَمانَ عليه فيه؛ لأنَّه لَم يَصرْ في يدِه ولا تَعدَّى عليه، وإنَّما أعلَمَ به مَنْ ظنَّ أنَّه له، ولَم يَلتزمْ فيه حُكمَ اللُّقطةِ.

وهذا إذا ردَّها بالقُربِ، وأمَّا إنْ ردَّها بعدَ طُولٍ فهو ضامِنٌ؛ لأنَّ ردَّ اللُّقطةِ إلى مَوضعِها ردٌّ لمَظنةِ الضَّياعِ.

وهكذا كلُّه فيما إذا لَم يَخَفْ عليها مِنْ خائِنٍ وعلِمَ أَمانةَ نفسِه أو شكَّ فيها، وأمَّا إنْ خافَ عليها مِنْ خائِنٍ فيَضمنُ بردِّها اتِّفاقًا، سَواءٌ ردَّها عن قُربٍ أم عن بُعدٍ.

وهذا فيما يَجوزُ له التِقاطُه، أمَّا ما لا يَجوزُ له التِقاطُه يَضمنُ بأَخذِها إنْ لَم يَردُّها مَكانَها؛ لأنَّ ردَّها واجبٌ (١).

وذهَبَ الشافِعيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه إذا أخَذَ اللُّقطةَ ثُم ردَّها إلى مَوضعِها ضمَنَها على أيَّةِ حالٍ؛ لأنَّها أَمانةٌ حصَلَت في يدِه فلزِمَه حِفظُها، فإذا ضيَّعَها لزِمَه ضَمانُها كما لو ضيَّعَ الوَديعةَ، ولأنَّها لمَّا حصَلَت في يدِه لزِمَه حِفظُها، وتَركُها تَضييعُها، إلا أنْ يَكونَ المُلتقِطُ ردَّها بإِذنِ الإِمامِ أو نائِبِه إلى مَوضعِه


(١) «الاستذكار» (٧/ ٢٤٥)، و «الذخيرة» (٩/ ١٠٦)، و «التاج والإكليل» (٥/ ٣٩، ٤٠)، و «مواهب الجليل» (٨/ ٣٨، ٣٩)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ١٢٦)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٥٢٩)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٣٩، ٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>