للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا حالةُ الإِباحةِ: فهو أنْ لا يَخافَ عليها الضَّيعةَ فيَأخذُها لصاحبِها؛ لقولِه تَعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٢]، ولأنَّه لو ترَكَها لا يُؤمَنُ أنْ تَصلَ إليها يدٌ خائنةٌ فتَمنعَها عن مالكِها.

وقيلَ: تَركُه أَفضلُ؛ لأنَّ صاحبَها إنَّما يَطلبُها في المَوضعِ الذي سقَطَت منه، والأوَّلُ ظاهِرُ المَذهبِ.

وأمَّا حالةُ الكَراهةِ: إنْ كانَ يَخافُ على نفسِه الطَّمعَ فيها وتَركَ التَّعريفِ والردِّ، فالتَّركُ أَولى؛ صِيانةً له عن الوُقوعِ في المُحرَّمِ.

وأمَّا حالةُ الحُرمةِ: أنْ يَأخذَها لنفسِه لا لصاحبِها؛ لِما رُويَ عن رَسولِ اللهِ أنَّه قالَ: «لا يَأويَ الضَّالةَ إلَّا ضالٌّ» (١)، والمُرادُ: أنْ يَضمَّها إلى نفسِه لأجلِ نفسِه لا لأجلِ صاحبِها بالردِّ عليه؛ لأنَّ الضمَّ إلى نفسِه لأجلِ صاحبِها ليسَ بحَرامٍ، ولأنَّه أخَذَ مالَ الغيرِ بغيرِ إذنِه لنَفسِه فيَكونُ بمَعنى الغَصبِ، وكذا لُقطةُ البَهيمةِ من الإبلِ والبَقرِ والغنمِ (٢).

أمَّا المالِكيةُ فقالُوا: إنَّ الالتِقاطَ قد يَكونُ واجبًا ومُستحَبًا ومُحرَّمًا ومَكروهًا بحسبِ حالِ المُلتقِطِ وحالِ الزَّمانِ الحاضِرِ وأهلِه ومِقدارِ اللُّقطةِ، ويَنقسمُ على ثَلاثةٍ إِجمالًا وأربَعةٍ تَفصيلًا:


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (١٧٠٢)، وابن ماجه (٢٥٠٣)، وأحمد (٤/ ٣٦٠، ٣٦٢)، وغيرُهم من حديثِ جريرِ بنِ عبدِ اللهِ وأخرجه مسلم (١٧٢٥) عن زيدِ بنِ خالدٍ الجُهنيِّ بلفظِ: «مَنْ آوى ضالَّةً فهو ضالٌّ ما لَم يعرِّفْها».
(٢) «بدائع الصنائع» (٦/ ٢٠٠)، و «الهداية» (٢/ ١٧٥)، و «العناية» (٨/ ٢٠١)، و «الاختيار» (٣/ ٣٧)، و «تبيين الحقائق» (٣/ ٣٠١)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ١٨٨)، و «اللباب» (١/ ٦٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>