يَلزمُه الضَّمانُ لتَعدِّيه بذلك؛ حيثُ إنَّه فوَّتَ عينَها بالخَلطِ، فلا يَقدرُ على تَخليصِها، ولأنَّه إذا كانَ لا يَتميزُ فقد عجَزَ المالِكُ مِنْ الانتفاعِ بالوَديعةِ، فكانَ الخَلطُ منه إِتلافًا فيَضمنُ.
إلا أنَّهم اختلَفُوا فيما لو خلَطَها بجِنسِها المُماثِلِ لها جَودةً ورَداءةً كحِنطةٍ بمِثلِها أو ذَهبٍ بمِثلِه، هل يَضمنُها أم لا؟
فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه إذا خلَطَ الوَديعةَ بمالِه أو بغيرِ مالِه على وَجهٍ يَتعسَّرُ معه تَمييزُ المالَينِ عن بَعضِهما فعليه الضَّمانُ، سَواءٌ خلَطَها بمِثلِها أو دونَها أو أَجودَ منها، مِنْ جِنسِها أو غيرِه، وسَواءٌ أكانَ خَلطَ مُجاوَرةٍ كقَمحٍ بقَمحٍ أو قَمحٍ بشَعيرٍ، أو خَلطَ مُمازَجةٍ كالخلِّ بالزَّيتِ؛ لأنه صارَ مُستهلكًا لها حُكمًا بالخَلطِ لتَعذُّرِ ردِّها إلى مالِكِها بعدَه؛ لأنَّه إذا كانَ لا يَتميزُ فقد عجَزَ المالِكُ مِنْ الانتفاعِ بالوَديعةِ، فكانَ الخَلطُ منه إِتلافًا فيَضمنُ (١).
قالَ الحَنفيةُ: الخَلطُ على وُجوهٍ:
(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ٢١٣)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٤/ ١٨٩)، و «الاختيار» (٣/ ٣٠)، و «التاج والإكليل» (٥/ ٢٥٨)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ١٢١)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٣٤٤)، و «المهذب» (١/ ٣٦١)، و «البيان» (٦/ ٤٨٨، ٤٨٩)، و «روضة الطالبين» (٤/ ٥٨٦)، و «النجم الوهاج» (٦/ ٣٦٩)، و «مغني المحتاج» (٤/ ١٤٧)، و «المغني» (٦/ ٣٠٣)، و «شرح الزركشي» (٢/ ٢٩٧)، و «كشاف القناع» (٤/ ٢١٥).