للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنْ لمْ يَصطلِحا وادَّعى كلُّ واحدٍ منهما أنَّ الأَلفَ له لا يَدفعُ إلى أَحدِهما شَيئًا؛ لجَهالةِ المُقِرِّ له بالوَديعةِ، ولكلِّ واحدٍ منهما أنْ يَستحلفَ المُودَعَ، فإنِ استَحلفَه كلُّ واحدٍ منهما فالأَمرُ لا يَخلو:

إما أنْ يَحلفَ لكلِّ واحدٍ منهما وإما أنْ يَنكلَ لكلِّ واحدٍ منهما وإما أنْ يَحلفَ لأَحدِهما ويَنكلَ للآخرِ.

فإنْ حلَفَ لهما فقد انقطَعَت خُصومتُهما للحالِ إلى وَقتِ إِقامةِ البَينةِ كما في سائِرِ الأَحكامِ، وهل يَملكانِ الاصطِلاحَ على أَخذِ الأَلفِ بينَهما بعدَ الاستِحلافِ؟ فهو على الاختِلافِ المَعروفِ بينَ أَبي حَنيفةَ وأَبي يُوسفَ وبينَ مُحمَّدٍ، على قَولِهما لا يَملكانِ وعلى قَولِ مُحمَّدٍ يَملكانِ، وهي مَسألةُ الصُلحِ بعدَ الحَلفِ.

وإنْ نكَلَ لهما يُقضى بالأَلفِ بينَهما نِصفينِ، ويَضمنُ أَلفًا أُخرى بينَهما، فيَحصلُ لكلِّ واحدٍ منهما أَلفٌ كامِلةٌ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَدعي أنَّ كلَّ الأَلفِ له، فإذا نكَلَ له والنُّكولُ بَذلٌ أو إِقرارٌ فكأنَّه بذَلَ لكلِّ واحدٍ منهما أَلفًا أو أقَرَّ لكلِّ واحدٍ منهما بأَلفٍ، فيُقضى عليه بينَهما بأَلفٍ ويَضمنُ أَيضًا أَلفًا أُخرى تَكونُ بينَهما، ليَحصلَ لكلِّ واحدٍ منهما أَلفٌ كامِلةٌ.

ولو حلَفَ لأَحدِهما ونكَلَ للآخرِ يُقضى بالأَلفِ للذي نكَلَ له ولا شَيءَ للذي حلَفَ له؛ لأنَّ النُّكولَ حُجةٌ مَنْ نكَلَ له لا حُجةُ مَنْ حلَفَ له (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ٢١٠، ٢١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>