للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَريقٍ أو شَيءٍ الغالِبُ منه التَّلفُ لزِمَه نَقلُها، فإنْ لمْ يَنقلْها في هذه الحالَةِ وترَكَها في الحِرزِ الذي عيَّنَه ربُّها ونَهاه عن إِخراجِها منه حتى تلِفَت لزِمَه الضَّمانُ، سَواءٌ تلِفَت بالأَمرِ المَخوفِ منه أو غيرِه؛ لأنَّه مُفرِّط به (١).

قالَ الإِمامُ ابنُ قُدامةَ : ربُّ الوَديعةِ إذا أمَرَ المُستودَعَ بحِفظِها في مَكانٍ عيَّنَه فحفِظَ فيه ولمْ يَخشَ عليها فلا ضَمانَ عليه بغيرِ خِلافٍ؛ لأنَّه مُمتثِلٌ لأَمرِه غيرُ مُفرِّط في مالِه.

وإنْ خافَ عليها سَيلًا وتوًى -يَعني هلاكًا- فأخرَجَها منه إلى حِرزِها فتلِفَت فلا ضَمانَ عليه بغيرِ خِلافٍ أَيضًا؛ لأنَّ نَقلَها في هذه الحالِ تعيَّنَ حِفظًا لها، وهو مَأمورٌ بحِفظِها.

وإنْ ترَكَها معَ الخَوفِ فتلِفَت ضمِنَها، سَواءٌ تلِفَت بالأَمرِ المَخوفِ أو بغيرِه؛ لأنَّه فرَّطَ في حِفظِها؛ لأنَّ حِفظَها نَقلُها وتَركُها تَضييعٌ لها.

وإنْ لمْ يَخفْ عليها فنقَلَها عن الحِرزِ إلى دونِه ضمِنَها؛ لأنَّه خالَفَه في الحِفظِ المَأمورِ به.


(١) قالَ ابنُ المنذرِ في الإشراف» (٦/ ٣٤٤): واختلَفوا في الحريقِ تقعُ في البيتِ، ويمكنُ المودعَ إخراجُ الوديعةِ من مكانِها فلم يفعلْ.
فقالَ قائلٌ: يضمنُ؛ لأنه كأنه أتلَفه؛ لأنه أُمر بحفظِه، وهذا مضيعٌ، وهذا يُشبُه مذهبَ الشافعيِّ؛ لأنه قالَ: من استُودعَ دَوابًّا، فلم يعلفْها حتى تلِفَت: ضمِنَ.
وقالَ آخرُ: لا ضمانَ عليه؛ لأن النارَ أتلفَتْها، وهذا كالرجلِ المسلمِ تُحيطُ به النارُ، ورجلٌ مسلمٌ قادرٌ على إخراجِه، فلم يفعلْ: فهو عاصٍ، ولا عقلَ عليه ولا قودَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>