للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووَجهُ جَوازِ الاقتِراضِ مِنْ الوَديعةِ: أنَّ الدَّنانيرَ والدَّراهمَ لا تَتعيَّنُ، فكأنَّه لا مَضرةَ على المُودِعِ في انتِفاعِ الوَديعِ بها إذا ردَّ مِثلَها، وقد كانَ له أنْ يَردَّ مِثلَها ويَتمسَّكَ بها معَ بَقاءِ أَعيانِها، ولأنَّ المُودِعَ قد ترَكَ الانتِفاعَ بها معَ القُدرةِ، فجازَ للوَديعِ الانتِفاعُ بها، ويَجري ذلك مَجرى الانتِفاعِ بظلِّ حائطٍ وضَوءِ سِراجِه، وذلك بخِلافِ تَسلُّفِ الوَصيِّ مالَ اليَتيمِ فهو آثمٌ (١).

وقالَ اللَّخميُّ مِنْ المالِكيةِ: أَرى أنْ يُنظرَ إلى المُودِعِ، فإنْ كانَ يَعلمُ منه أنَّه لا يَكرُه ذلك فيما بينَه وبينَ المُودَعِ أو معَه كَرمُ طَبعٍ جازَ، وإنْ كانَ يَعلمُ منه الكَراهيةَ لمْ يَجزْ؛ لأنَّه لو حجَرَ ذلك عليه مِنْ حينِ الدَّفعِ أو قالَ لا حَرجَ عليك إنْ تَسلَّفتَها لمْ يُختلَفْ في أنَّه مَمنوعٌ مِنْ الانتِفاعِ بها، وإنْ أشكَلَ أَمرُه كُرهَ ذلك (٢).

وما ذهَبَ إليه اللَّخميُّ هو ما قالَه شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيميةَ، فقد سُئلَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيميةَ عن الاقتِراضِ مِنْ الوَديعةِ بلا إِذنٍ …

فأجابَ: وأما الاقتِراضُ مِنْ مالِ المُودِعِ، فإنْ علِمَ المُودَعُ عِلمًا اطمأَنَّ إليه قلْبُه أنَّ صاحِبَ المالِ راضٍ بذلك، وهذا إنما يُعرفُ مِنْ رَجلٍ اختبَرْتَه خِبرةً تامَّةً، وعلِمْت مَنزلتَك عندَه، كما نُقلَ مِثلُ ذلك عن غيرِ واحدٍ، وكما


(١) «مواهب الجليل» (٧/ ٢٢٩)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٢٦١، ٢٦٢)، و «شرح مختصر خليل» (٦/ ١١٠)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ١٢٣)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٣٤٥، ٣٤٥).
(٢) «التبصرة» (١١/ ٥٩٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>