فإذا استَعملَ المُودَعُ الوَديعةَ بغيرِ إِذنِ صاحِبِها فتلِفَت فلا خِلافَ بينَ الفُقهاءِ على أنَّه ضامِنٌ لها؛ لأنَّه مُتعدٍّ بذلك.
إلا أنَّهم اختلَفُوا فيما لو استَعملَها ثُم ردَّها إلى مَوضعِها ثُم تلِفَت بعدَ ذلك هل عليه ضَمانُها أم لا؟ وهل عليه أُجرةُ المُدةِ التي استَعملَها فيها أم لا؟
فذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ إلى أنَّه إذا تَعدَّى واستَعملَ الوَديعةَ ثُم ردَّها سالمَةً إلى مَكانِها ثُم تلِفَت بعدَ ذلك، فإنَّه لا ضَمانَ عليه.
قالَ الحَنفيةُ: إذا تَعدَّى المُودَعُ في الوَديعةِ بأنْ كانَت دابَّةً فركِبَها أو ثَوبًا فلبِسَه أو عَبدًا فاستَخدمَه أو أودَعَها غيرَه ضمِنَ؛ لأنَّه استِهلاكُ مَعنى، فإذا أزالَ التَّعدِّي فردَّها سالمَةً إلى يدِه ثُم ضاعَت بعدَ العَودِ إلى يدِه لمْ يَضمنْ، وزالَ الضَّمانُ لأنَّ الأَمرَ باقٍ لإِطلاقِه، وارتِفاعُ حُكمِ العَقدِ ضَرورةُ ثُبوتِ نَقيضِه، فإذا ارتَفعَ عادَ حُكمُ العَقدِ، ولأنَّه مَأمورٌ بالحِفظِ في كلِّ الأَوقاتِ، فإذا خالَفَ في البعضِ ثُم رجَعَ أَتى بالمَأمورِ به، كما إذا استَأجرَه للحِفظِ شَهرًا فترَكَ الحِفظَ في بعضِه ثُم حفِظَ في الباقي استَحقَّ الأُجرةَ بقدرِه.
لكنْ يَزولُ الضَّمانُ عنه بشَرطِ أنَّه لا يَعزمُ على العَودِ إلى التَّعدي، حتى لو نزَعَ ثَوبَ الوَديعةِ ليلًا ومِن عَزمِه أنْ يَلبسَه نَهارًا ثُم سُرقَ لَيلًا لا يَبرأُ عن الضَّمانِ.