للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ الشافِعيةُ في الأَصحِّ -والحَنابِلةُ في رِوايةٍ- إلى أنَّ الصَّغيرَ والسَّفيهَ إذا استهلَكَ الوَديعةَ أو أتلَفَها هو ضمِنَ ما أتلَفَه لعَدمِ تَسليطِه على إِتلافِه، فضمِنَه بالإِتلافِ كما لو أدخَلَه دارَه فأتلَفَ مالَه.

وفي مُقابلِ الأَصحِّ عندَ الشافِعيةِ: لا يَضمنُ؛ لأنَّ مالِكَها مَكَّنهما مِنْ إِتلافِها فلمْ يَضمنْها كما لو باعَهما منه شَيئًا أو أقرَضَهما وسلَّمَه إليهما فأَتلَفاه (١).

وقالَ ابنُ قُدامةَ : فإنْ أودَعَ رَجلٌ عندَ صَبيٍّ أو مَعتوهٍ وَديعةً فتلِفَت لمْ يَضمنْها، سَواءٌ حفِظَها أو فرَّطَ في حِفظِها، فإنْ أتلَفَها أو أكَلَها ضمِنَها في قَولِ القاضِي وظاهِرِ مَذهبِ الشَّافِعيِّ.

ومِن أَصحابِنا مَنْ قالَ لا ضَمانَ عليه، وهو قَولُ أَبي حَنيفةَ؛ لأنَّه سلَّطَه على إِتلافِها بدَفعِها إليه فلا يَلزمُه ضَمانُها، ألا تَرى أنَّه لو دفَعَ إلى صَغيرٍ سكِّينًا فوقَعَ عليها كانَ ضَمانُه على عاقلَتِه.

ولنا: إنَّ ما ضمِنَه بإِتلافِه قبلَ الإِيداعِ ضمِنَه بعدَ الإِيداعِ كالبالغِ، ولا يَصحُّ قَولُهم إنَّه سلَّطَه على إِتلافِها، وإنما استحفَظَه إيَّاها، وفارَقَ دَفعَ السكِّينِ، فإنَّه سَببٌ للإِتلافِ، ودَفعُ الوَديعةِ بخِلافِه (٢).

أما الحَنفيةُ فقالوا: إذا أودَعَ صَبيًّا وَديعةً فهلَكَت منه فلا ضَمانَ عليه بالإِجماعِ، فإن استهلَكَها: إنْ كانَ مَأذونًا له في التِّجارةِ ضمِنَها إِجماعًا.


(١) «المهذب» (١/ ٣٥٩)، و «البيان» (٦/ ٤٧٤)، و «النجم الوهاج» (٦/ ٣٤٧)، و «مغني المحتاج» (٤/ ١٣٤)، و «تحفة المحتاج» (٨/ ٣١٠).
(٢) «المغني» (٦/ ٣١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>