قالَ الشافِعيةُ: فللمُودِعِ الاستِردادُ وللوَديعِ الرَّدُّ في كلِّ وقتٍ، أما المُودِعُ فلأنَّه المالكُ، وأما الوَديعُ فلأنه مُتبَرِّعٌ بالحفظِ.
قالُوا: وحالةُ جَوازِ الرَّدِّ هذه إذا لمْ يَلزمْه قَبولُ الوَديعةِ ابتِداءً، أما إذا كانَ بحيثُ يَجبُ عليه قَبولُ الوَديعةِ ابتِداءً فيَحرمُ الرَّدُّ، وإنْ كانَ بحيثُ يَندُبُ القَبولُ فالرَّدُّ خِلافُ الأَولى إنْ لمْ يَرضَ به المالكُ، فإنْ طلَبَها المالكُ وجَبَ ردُّها إليه، فإنْ أخَّرَ بلا عُذرٍ مع الإِمكانِ ضمِنَ.
وقالَ الرَّمليُّ: ولو طالبَ المُودَعُ المالكَ بأخذِ وَديعتِه لزِمَه أَخذُها؛ لأن قَبولَ الوَديعةِ لا يَجبُ فكذا استَدامةُ حِفظِها، ومنه يُؤخَذُ أنه لو كانَ في حالةٍ يَجبُ فيها القَبولُ يَجوز للمالكِ الامتِناعُ (١).
إلا أنَّ الفُقهاءَ اختَلفوا فيما لو عزَلَ المُستودَعُ نفسَه عن الوَديعةِ -في غَيبةِ المُودِعِ- هل يَنعزلُ أم لا؟
فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ في الأَصحِّ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ المُستودَعَ إذا عزَلَ نفسَه انفسَخَت الوَديعةُ؛ لأنَّها عَقدٌ وتَكونُ بعدَ ذلك أَمانةً شَرعيَّةً حُكمُها في يدِه حُكمُ الثوبِ إذا أَطارَته الرِّيحُ إلى دارِه يَجبُ ردُّه إلى مالكِه.
(١) «حاشية الرملي على أسنى المطالب» (٣/ ٨٤)، ويُنْظَر: «النجم الوهاج» (٦/ ٣٤٨)، و «مغني المحتاج» (٤/ ١٣٥)، و «تحفة المحتاج» (٨/ ٣١٢)، و «نهاية المحتاج» (٦/ ١٣٢).