للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أنَّ الفُقهاءَ اختَلفوا في الصَّبيِّ الذي يَعقلُ ويُميزُ، هل يَصحُّ قَبضُه أو لا بدَّ من قَبضِ وَليِّه عنه؟

فذهَبَ الحَنفيةُ في قَولٍ والمالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه لا يَصحُّ قَبضُ الصَّبيِّ، سَواءٌ كانَ مُميِّزًا أو غيرَ مُميِّزٍ، بل الذي يَقبضُ له وَليُّه أو وَصيُّه؛ لأنَّ القَبضَ من بابِ الوِلايةِ ولا وِلايةَ له على نَفسِه، فلا يَجوزُ قَبضُه في الهِبةِ كما لا يَجوزُ في البَيعِ.

قالَ العَمرانِيُّ : قالَ الشافِعيُّ: (ويَقبِضُ للطِّفلِ أَبوه).

وجُملةُ ذلك: أنَّه إذا وهَبَ غيرُ وَليِّ الطِّفلِ للطِّفلِ هِبةً؛ فإنْ كانَ له أبٌ أو جَدٌّ وكانَ عَدلًا قبِلَ له الهِبةَ وقبَضَ له؛ لأنَّه هو المُتصرِّفُ عنه، وإنْ كانَ فاسِقًا لم يَصحَّ قَبولُه ولا قَبضُه؛ لأنَّه لا وِلايةَ له عليه مع الفِسقِ.

وإنْ لم يَكنْ له أبٌ ولا جَدٌّ وكانَ الناظِرُ في مالِه الوَصيَّ من قِبَلِهما أو الأمينَ من قِبَلِ الحاكِمِ قبِلَ له الهِبةَ وقبَضَ له؛ لأنَّه المُتصرِّفُ عنه (١).

وذهَبَ الحَنفيةُ في الاستِحسانِ -وهو المَذهبُ عندَهم- والحَنابِلةُ في قَولٍ أنَّ قَبضَ الصَّغيرِ ما وُهبَ له صَحيحٌ؛ لأن قَبضَ الهِبةِ من التَّصرُّفاتِ النافِعةِ المَحضةِ فيَملكُه الصَّبيُّ العاقِلُ كما يَملكُ وَليُّه ومَن هو في عِيالِه، وكَذا الصَّبيةُ إذا عقَلَت جازَ قَبضُها (٢).


(١) «البيان في مَذهب الإمام الشافعي» (٨/ ١٢٢).
(٢) «تحفة الفقهاء» (٣/ ١٦٨)، و «بدائع الصنائع» (٦/ ١٢٦)، و «العناية» (١٢/ ٢٨٣، ٢٨٦)، و «الاختيار» (٣/ ٥٩)، و «تبيين الحقائق» (٥/ ٩٥، ٩٦)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٧٠، ٧٢)، و «البحر الرائق» (٧/ ٢٨٨، ٢٩٠)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٠٥)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٢٤٧، ٢٤٨)، و «البيان» (٨/ ١٢٢، ١٢٣)، و «الإقناع» (٢/ ٣٦٧)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٤٩٣)، و «تحفة الحبيب على شرح الخطيب» للبجيرمي (٣/ ٤٦٠)، و «المغني» (٢/ ٢٦٨)، و «الفروع» (٢/ ٤٨٥)، و «المبدع» (٢/ ٤٤٠) «الإنصاف» (٣/ ٢١٩، ٢٢٠)، و «كشاف القناع» (٤/ ٣٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>