للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولنا: قَولُه تَعالى: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ [النساء: ٦]، وهو ظاهِرٌ في فكِّ الحَجرِ عنهم وإطلاقِهم في التَّصرفِ.

وقد ثبَتَ أنَّ النَّبيَّ قالَ: «يا مَعشرَ النِّساءِ تَصدَّقنَ ولو مِنْ حُليِّكنَّ» (١)، وإنَّهنَّ تصدَّقنَ فقبِلَ صَدقتَهنَّ ولم يَسألْ ولم يَستفصِلْ، وأتَته زَينبُ امرأةُ عبدِ اللهِ وامرأةٌ أُخرى اسمُها زَينبُ فسألَتْه عن الصَّدقةِ، هل يَجزيهِنَّ أنْ يَتصدَّقنَ على أزواجِهنَّ وأيتامٍ لهُنَّ؟ فقالَ: نَعَمْ. ولم يَذكُرْ لهُنَّ هذا الشَّرطَ، ولأنَّ مَنْ وجَبَ دَفعُ مالِه إليه لرُشدِه جازَ له التَّصرفُ فيه من غيرِ إذنٍ كالغُلامِ، ولأنَّ المَرأةَ من أهلِ التَّصرفِ ولا حَقَّ لزَوجِها في مالِها، فلم يَملكِ الحَجرَ عليها في التَّصرفِ بجَميعِه كأُختِها، وحَديثُهم ضَعيفٌ وشُعيبٌ لم يُدركْ عبدَ اللهِ بنَ عَمرٍو فهو مُرسلٌ، وعلى أنَّه مَحمولٌ على أنَّه لا يَجوزُ عَطيتُها لمالِه بغيرِ إذنِه بدَليلِ أنَّه يَجوزُ عَطيتُها ما دونَ الثُّلثِ من مالِها، وليسَ معهم حَديثٌ يَدلُّ على تَحديدِ المَنعِ بالثُّلثِ، فالتَّحديدُ بذلك تَحكُّمٌ ليسَ فيه تَوقيفٌ ولا عليه دَليلٌ، وقياسُهم على المَريضِ غيرُ صَحيحٍ لوُجوهٍ:

أحدُها: أنَّ المَرضَ سَببٌ يُفضي إلى وُصولِ المالِ إليهم بالميراثِ، والزَّوجيةُ إنَّما تَجعلُه من أهلِ الميراثِ، فهي أحدُ وَصفَيِ العِلةِ فلا يَثبتُ الحُكمُ بمُجرَّدِها، كما لا يَثبتُ للمَرأةِ الحَجرُ على زَوجِها ولا لسائِرِ الوَرثةِ بدونِ المَرضِ.


(١) أخرجه البخاري (١٣٩٣)، ومسلم (٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>