قالَ:«إنِّي لا أشهَدُ إلا على حَقٍّ» فدَلَّ ذلك على أنَّ الذي فعَلَه أَبو النُّعمانِ لم يَكنْ حَقًّا، فهو باطِلٌ قَطعًا.
فقَولُه إذَنْ:«أشهِدْ على هذا غيري» حُجةٌ على التَّحريمِ، كقَولِه تَعالى: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ [فصلت: ٤٠]، وقَولِه ﷺ:«إذا لم تَستَحْيِ فاصنَعْ ما شِئتَ»، أي: الشَّهادةُ على هذا ليسَت من شَأني، ولا تَنبَغي لي، وإنَّما هي من شأنِ من يَشهدُ على الجَورِ والباطِلِ وما لا يَصلحُ، وهذا في غايةِ الوُضوحِ.
وقد كتَبتُ في هذه المَسألةِ مُصنَّفًا مُفرَدًا استَوفيتُ فيه أدِلتَها وبيَّنتُ مَنْ خالَفَ هذا الحَديثَ، ونَقضَها عليهم وباللهِ التَّوفيقُ (١).
وقالَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيميةَ ﵀: ويَجبُ التَّعديلُ في عَطيةِ أولادِه على حَسبِ ميراثِهم، وهو مَذهبُ أحمدَ مُسلمًا كانَ الوَلدُ أو ذمِّيًّا، ولا يَجبُ على المُسلمِ التَّسويةُ بينَ أَولادِ أهلِ الذِّمةِ، ولا يَجبُ التَّسويةُ بينَ سائِرِ الأَقاربِ الذين لا يَرِثون، كالأَعمامِ والإخوةِ مع وُجودِ الأبِ، ويَتوجَّهُ في البَنينِ التَّسويةُ كآبائِهم؛ فإنْ فضَّلَ حيثُ منَعناه فعليه التَّسويةُ أو الرَّدُّ، ويَنبَغي أنْ يَكونَ على الفَورِ، وإذا سوَّى بينَ أَولادِه في العَطاءِ فليسَ له أنْ يَرجعَ في عَطيةِ بَعضِهم، والحَديثُ والآثارُ تَدلُّ على وُجوبِ التَّعديلِ بينَهم في غيرِ التَّمليكِ أيضًا، وهو في مالِه ومَنفعتِه التي ملَّكهم والذي أباحَهم، كالمَسكنِ والطَّعامِ، ثم هنا نَوعان: نَوعٌ يَحتاجون إليه من النَّفقةِ في الصِّحةِ
(١) «حاشية ابن القيم على سنن أبي داود» (٩/ ٣٣٤، ٣٣٥).