للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكَرَ أَبو جَعفرٍ قِصةَ الفَرسِ التي باعَها عُمرُ فأرادَ شِراءَها فقالَ النَّبيُّ : «لا تَعُدْ في صَدقتِك ولا تَشتَرِها» قالَ: وهذا أَولى مما قالَ مَنْ أباحَه، وأمَّا المِيراثُ فمَن ورِثَه فيَحلُّ له لحَديثِ عَمرِو بنِ شُعَيبٍ عن أبيه عن جَدِّه أنَّ رَجلًا قالَ: يا رَسولَ اللهِ إنِّي أعطَيتُ أُمِّي حَديقةً حَياتَها، وإنَّها ماتَتْ فلم تَتركْ وارِثًا غَيري. فقالَ رَسولُ اللهِ : «وجَبَت صَدقتُك ورجَعَت إليك حَديقتُك» (١)، قالَ: وهذا يُوجبُ ألَّا يَجبَ عليه في المِيراثِ ألَّا يَتصدَّقَ به (٢).

وقالَ الإمامُ الكاسانِيُّ بعدَما ذكَرَ حَديثَ عُمرَ : وهو نَهيُ نَدبٍ؛ لأنَّ المَوهوبَ له يَستحْيِي فيُسامِحُه في ثَمنِه فيَصيرُ كالراجِعِ في بَعضِه، والرُّجوعُ مَكروهٌ (٣).

وقالَ السَّرخَسيُّ بعدَ قَولِ النَّبيِّ : «لا تَعُدْ في صَدقتِك»: والشِّراءُ لا يَكونُ رُجوعًا في الصَّدقةِ حُكمًا، والمُرادُ لا يَحلُّ الرُّجوعُ بطَريقِ الدِّيانةِ والمُروءةِ، وهو كقَولِهِ : «لا يَحلُّ لرَجلٍ يُؤمنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ أنْ يَبيتَ شَبعانَ وجارُه إلى جَنبِه طاوٍ» أي: لا يَليقُ ذلك بالدِّيانةِ والمُروءةِ وإنْ كانَ جائِزًا في الحُكمِ إذا لم يَكنْ عليه حَقٌّ واجِبٌ (٤).


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه الإمام أحمد (٦٧٣١)، وابن ماجه (٢٣٩٥).
(٢) «مختصر اختلاف العلماء» (١/ ٤٣٩، ٤٤٠).
(٣) «بدائع الصنائع» (٦/ ١٣٢).
(٤) «المبسوط» (١٢/ ٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>