للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رِوايةٍ لمُسلمٍ عن زَيدِ بنِ أسلَمَ عن أبيه عن عُمرَ «أنَّه حمَلَ على فَرسٍ في سَبيلِ اللهِ فوجَدَه عندَ صاحِبِه وقد أضاعَه، وكانَ قَليلَ المالِ، فأرادَ أنْ يَشتريَه فأتى رَسولَ اللهِ فذكَرَ ذلك له فقالَ: «لا تَشتَرِه وإنْ أعطَيتَه بدِرهمٍ، فإنَّ مَثَلَ العائِدِ في صَدقتِه كمَثَلِ الكَلبِ يَعودُ في قَيئِه» (١).

وعن عبدِ اللهِ بنِ عامِرٍ عن الزُّبَيرِ بنِ العَوامِ «أنَّه حمَلَ على فَرسٍ يُقالُ له: غَمرٌ، أو غَمرةُ، فرَأى مُهرًا أو مُهرةً من أَفلائِها يُباعُ يُنسَبُ إلى فَرسِه فنَهى عنها» (٢).

والسَّببُ في نَهيِ النَّبيِّ عُمرَ أنْ يَرجعَ في صَدقتِه أنَّ المُتصدِّقَ إذا أرادَ الشِّراءَ يُسامِحُ في حَقِّه أو يَطلبُ هو المُسامحةَ فيَكونُ نَقضًا للصَّدقةِ في ذلك القَدرِ؛ لأنَّ رُوحَ الصَّدقةِ نَفضُ القَلبِ تَعلُّقَه بالمالِ، وإذ كانَ في قَلبِه مَيلٌ إلى الرُّجوعِ إليها بمُسامحةٍ لم يَتحقَّقْ كَمالُ النَّفضِ، وأيضًا فتَوفيرُ صُورةِ العَملِ مَطلوبٌ، وفي الاستِردادِ نَقضٌ لها، وهو سِرُّ كَراهيةِ المَوتِ في أرضٍ هاجَرَ منها، واللهُ أعلَمُ (٣).

إلا أنَّهم اختَلَفوا هل يَحرمُ ذلك أو يُكرهُ فقط، وهل يُفسخُ البَيعُ أو لا؟

فذهَبَ الجُمهورُ إلى أنَّ النَّهيَ في حَديثِ عُمرَ نَهيُ تَنزيهٍ لا تَحريمٍ:


(١) أخرجه مسلم (١٦٢١).
(٢) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: رواه ابن ماجه (٢٣٩٣).
(٣) «حجة الله البالغة» (٥١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>