للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنا أَذكرُ هنا كَلامًا نَفيسًا لابنِ القَيمِ حيثُ قالَ: المِثالُ الخامِسُ والعِشرونَ: رَدُّ السُّنةِ الصَّريحةِ المُحكمةِ في تَحريمِ الرُّجوعِ في الهِبةِ لكلِّ أحدٍ إلا للوالِدِ برَأيٍ مُتشابِهٍ فاسِدٍ اقتَضى عَكسَ السُّنةِ، وأنَّه يَجوزُ الرُّجوعُ في الهِبةِ لكلِّ أحَدٍ إلا لوالِدٍ أو لذي رَحمٍ مَحرَمٍ أو لزَوجٍ أو زَوجةٍ، أو يَكونُ الواهِبُ قد أُثيبَ منها، ففي هذه المَواضعِ الأربَعةِ يَمتنِعُ الرُّجوعُ، وفرَّقوا بينَ الأجنَبيِّ والرَّحمِ بأنَّ هِبةَ القَريبِ صِلةٌ ولا يَجوزُ قَطعُها، وأنَّ هِبةَ الأجنَبيِّ تَبرُّعٌ، وله أنْ يُمضيَه وألَّا يُمضيَه، وهذا مع كَونِه مُصادِمًا للسُّنةِ مُصادَمةً مَحضةً فهو فاسِدٌ؛ لأنَّ المَوهوبَ له حين قبَضَ العَينَ المَوهوبةَ دخَلَت في مِلكِه وجازَ له التَّصرفُ فيها، فرُجوعُ الواهِبِ فيها انتِزاعٌ لمِلكِه منه بغيرِ رِضاه، وهذا باطِلٌ شَرعًا وعَقلًا.

وأمَّا الوالِدُ فوَلدُه جُزءٌ منه، وهو ومالُه لأَبيه، وبينَهما من البَعضيةِ ما يُوجبُ شِدةَ الاتِّصالِ بخِلافِ الأجنَبيِّ.

فإنْ قيلَ: لم نُخالِفْه إلا بنَصٍّ مُحكمٍ صَريحٍ صَحيحٍ، وهو حَديثُ سالِمٍ عن أبيه عن النَّبيِّ : «مَنْ وهَبَ هِبةً فهو أحَقُّ بها ما لم

<<  <  ج: ص:  >  >>