يُمكِنْ إعطاءُ الآخَرِ مِثلَ عَطيةِ الأولِ، ولأنَّها لمَّا دخَلَت في المَعنى في حَديثِ بَشيرِ بنِ سَعدٍ كانَ يَنبَغي أنْ تَدخلَ في جَميعِ مَدلولِه؛ لقَولِه:«فاردُدْه» وقَولُه: «فأرجِعْه»، ولأنَّها لمَّا ساوَتِ الأبَ في تَحريمِ تَفضيلِ بعضِ وَلدِها كانَ يَنبَغي أنْ تُساويَه في التَّمكُّنِ من الرُّجوعِ فيما فضَّلَه به تَخليصًا من الإثمِ وإزالةً للتَّفضيلِ المُحرَّمِ كالأبِ.
وذهَبَ الحَنابِلةُ في المَنصوصِ والشافِعيةُ في قَولٍ إلى أنَّه ليسَ لها الرُّجوعُ.
قالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: والمَنصوصُ عن أحمدَ أنَّه ليسَ لها الرُّجوعُ، قالَ الأثرَمُ: قُلتُ لأبي عبدِ اللهِ: الرُّجوعُ للمَرأةِ فيما أعطَتْه وَلدَها كالرَّجلِ؟ قالَ: ليسَ هي عِندي في هذا كالرَّجلِ؛ لأنَّ للأبِ أنْ يأخُذَ من مالِ وَلدِه، والأُمُّ لا تأخُذُ.
وذكَرَ حَديثَ عائِشةَ:«إنَّ أطيَبَ ما أكَلَ الرَّجلُ من كَسبِه، ووَلدُه من كَسبِه»(١)، أي: كأنَّه الرَّجلُ. قالَ أَصحابُنا: والحَديثُ حُجةٌ لنا؛ فإنَّه خَصَّ الوالِدَ وهو بإِطلاقِه إنَّما يَتناولُ الأبَ دونَ الأُمِّ، والفَرقُ بينَهما أنَّ للأبِ وِلايةً على وَلدِه، ويَحوزُ جَميعَ المالِ في المِيراثِ، والأُمُّ بخِلافِه، وقالَ مالِكٌ: للأُمِّ الرُّجوعُ في هِبةِ وَلدِها ما كانَ أبوه حَيًّا؛ فإنْ كانَ مَيِّتًا
(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٥٢٨)، والترمذي (١٢٩٨)، والنسائي (٤٤٤٩)، وابن ماجه (٢١٣٧)، وابن حبان في «صحيحه» (٢٤٥٩)، والإمام أحمد في «مسنده» (٢٤٠٨٧).