للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنْ لم يَكنْ له أبٌ حَيٌّ وَقتَ الهِبةِ فليسَ لها أنْ تَعتصرَ -أي: تَرجعَ- فيما وهَبَته؛ لأنَّه يَتيمٌ ولا يُعتصَرُ من يَتيمٍ، ويُعدُّ ذلك كالصَّدقةِ عليه.

وأمَّا لو وهَبَت الكَبيرَ فلها الاعتِصارُ سَواءٌ كانَ له أبٌ أو لا.

إلا فيما أُريدَ به الآخِرةُ صارَ صَدقةً وهي لا تُعتصَرُ، وسَواءٌ كانَ الواهِبُ أبًا أو غيرَه، وكذلك لا اعتِصارَ لأبٍ ولا لأُمٍّ إذا أرادَ كلٌّ بالهِبةِ صِلةَ الرَّحمِ، كما إذا كانَ الوَلدُ صَغيرًا مُحتاجًا أو كَبيرًا بائِنًا عن أبيه، وكذلك لا اعتِصارَ لأحدِهما في الهِبةِ إذا شهِد عليها على المَشهورِ (١).

وذهَبَ الشافِعيةُ في المَذهبِ والحَنابِلةُ في قَولٍ إلى أنَّ الأُمَّ كالأبِ في الرُّجوعِ؛ لأنَّها داخِلةٌ في قَولِه : «لا يَحلُّ لرَجلٍ أنْ يُعطيَ عَطيةً أو يَهبَ هِبةً فيَرجعَ فيها إلا الوالِدَ فيما يُعطي وَلدَه» (٢)، ولأنَّها لمَّا دخَلَت في قَولِ النَّبيِّ : «سَوُّوا بينَ أولادِكم» (٣) يَنبَغي أنْ يَتمكَّنَ من التَّسويةِ، والرُّجوعُ في الهِبةِ طَريقٌ في التَّسويةِ، ورُبَّما تعيَّنَ طَريقًا فيها إذا لم


(١) «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٥١١)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٢٦١، ٢٦٢)، رقم (١١٠٤)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ١١٣، ١١٥)، و «مواهب الجليل» (٨/ ٢٠)، و «التاج والإكليل» (٥/ ٢١)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٢٠، ٢١).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٥٣٩)، والترمذي (١٢٩٨)، والنسائي (٣٩٦٠)، وابن حبان في «صحيحه» (٥١٢٣)، والإمام أحمد في «مسنده» (٢١١٩).
(٣) رواه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (١٣/ ٧٢)، رقم (٥٠٧٣)، والبيهقي في «الكبرى» (١١٧٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>