عُقوقًا، وعُقوقُ ذي الرَّحمِ حَرامٌ، ولأنَّه لو وهَبَ بشَرطِ الثَّوابِ فأُثيبَ لم يَرجعْ، وهذا قد أُثيبَ من قِبَلِ اللهِ تَعالى في هِبةِ الرَّحمِ فلم يَجزْ أنْ يَرجعَ.
وقالَ السَّرخَسيُّ ﵀: وحُجتُنا ما رَوينا من حَديثِ عُمرَ ﵁ فهو الإمامُ لنا في المَسألتَينِ، ولأنَّ الهِبةَ قد تمَّت لذي الرَّحمِ المَحرَمِ مِلكًا وعَقدًا، فلا يَملِكُ الرُّجوعَ فيه كالابنِ إذا وهَبَ لأَبيه أو الأخِ لأَخيه، وهذا لأنَّ المَقصودَ قد حصَلَ وهو صِلةُ الرَّحمِ، ولأنَّ في الرُّجوعِ مَعنى قَطيعةِ الرَّحمِ، وهذا مَوجودٌ في حَقِّ الوالِدِ مع وَلدِه؛ لأنَّه بالرُّجوعِ يَحملُه على العُقوقِ، وإنَّما أمَرَ الوالِدُ أنْ يَحملَ وَلدَه على بِرِّه.
ولا يُقالُ: مَقصودُ الوالِدِ أنْ يَخدُمَه الوَلدُ، ولمَّا رجَعَ فالظاهِرُ أنَّه لم يَنلْ ذلك؛ لأنَّ شَفقةَ الأُبوَّةِ تَمنعُه من الرُّجوعِ بعدَ حُصولِ المَقصودِ، وهذا لأنَّ هذا المَعنى خَفيٌّ لا يَنبَني الحُكمُ عليه، وهو مَوجودٌ في الوَلدِ إذا وهَبَ لوالِدِه، فالظاهِرُ أنَّه قصَدَ أنْ يَخُصَّه بإِكرامٍ، وإنَّما يَرجعُ لأنَّه لم يَنلْ ذلك، ولا مُعتبَرَ بما ذُكرَ من الكَسبِ؛ فإنَّه لو وهَبَ لمُكاتَبِه أو لمُعتَقِه لا يَرجعُ فيه، وهو كَسبُه أيضًا، وهذا لأنَّ الوَلدَ كَسبُه، لا مِلكُه، بخِلافِ عَبدِه.
فأمَّا الحَديثُ فقد قيل فيه: مَعنى قَولِه ﵊: «إلا الوالِدَ»: «ولا الوالِدَ»؛ فإنَّ كَلمةَ «إلا» تُذكَرُ بمَعنى «ولا» قالَ اللهُ تَعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾، أي: ولا الذين ظلَموا منهم، وقَال تَعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً﴾ [النساء: ٩٢] أي: ولا خَطأً.