لأنَّها إذا كانَت مَضمونةً بغيرِها لم تَصحَّ البَراءةُ عنها بالهِبةِ فلا يَصيرُ قَبضَ أمانةٍ، ولا بدَّ من تَجانُسِ القَبضَينِ حتى يَتساوَيا.
والأصلُ أنَّه متى تَجانَسَ القَبضانِ نابَ أحَدُهما عن الآخَرِ، وإذا اختَلَفا نابَ المَضمونُ عن غيرِ المَضمونِ، ولا يَنوبُ غيرُ المَضمونِ عن المَضمونِ، وبَيانُه إذا كانَ الشَّيءُ مَغصوبًا في يَدِه أو مَقبوضًا بالبَيعِ الفاسِدِ ثم باعَه منه بَيعًا صَحيحًا جازَ، ولا يَحتاجُ إلى قَبضٍ آخَرَ؛ لاتِّفاقِ القَبضَينِ، وكذا إذا كانَ عارِيةً أو وَديعةً فوهَبَه له لا يَحتاجُ إلى قَبضٍ آخَرَ؛ لاتِّفاقِهما؛ لأنَّ كلَيهِما أمانةٌ.
ولو كانَ مَغصوبًا في يَدِه أو مَقبوضًا بالعَقدِ الفاسِدِ فوهَبَه من صاحِبِ اليَدِ لا يَحتاجُ إلى قَبضٍ آخَرَ، وإنْ كانَ وَديعةً أو عارِيةً فباعَه منه؛ فإنَّه يَحتاجُ إلى قَبضٍ جَديدٍ؛ لأنَّ قَبضَ الأمانةِ لا يَنوبُ عن المَضمونِ.
أمَّا إذا كانت رَهنًا؛ فإنَّه يَحتاجُ إلى تَجديدِ القَبضِ، ورُوي أنَّه لا يَحتاجُ.
قالوا: وتَجوزُ هِبةُ الدَّينِ لمَن عليه الدَّينُ قِياسًا واستِحسانًا، وإذا وهَبَ دَينًا له عليه فقبِلَه لم يَكنْ له أنْ يَرجعَ فيه؛ لأنَّه سقَطَ عنه؛ فإنَّه قابِضٌ للدَّينِ بذِمَّتِه فيَملكُ بالقَبولِ، ومَن ملَكَ دَينًا عليه سقَطَ ذلك عنه، والساقِطُ يَكونُ مُتلاشيًا، فلا يَتحقَّقُ الرُّجوعُ فيه كما لو كانَ عَينًا فهلَك عندَه.
فإنْ قالَ المَوهوبُ له مُجيبًا له: لا أقبَلُها، فالدَّينُ عليه بحالِه؛ لأنَّه رَدٌّ للهِبةِ.