فعامةُ الفُقهاءِ على جَوازِ هِبةِ هذه الأعيانِ لمَن هي في يَدِه، وأمَّا لغيرِ مَنْ هي في يَدِه فلا يَصحُّ عندَ الشافِعيةِ في الأصَحِّ والحَنابِلةِ في المَذهبِ على تَفصيلٍ سيَأتي بَيانُه.
قالَ الحَنفيةُ: إذا كانَت العَينُ المَوهوبةُ في يَدِ المَوهوبِ له ملَكَها بالهِبةِ، ولا يُجدِّدُ فيها قَبضًا؛ لأنَّها في قَبضِه، والقَبضُ هو الشَّرطُ، فهِبةُ الوَديعةِ للمُودِعِ والعارِيةِ للمُستعيرِ والمَغصوبِ للغاصِبِ غيرُ مُحتاجةٍ إلى قَبضٍ جَديدٍ؛ لأنَّ المَوهوبَ حينَئذٍ في يَدِ المَوهوبِ له حَقيقةً، فلا يَحتاجُ إلى قَبضٍ آخَرَ، كما لو وهَبَ الأبُ لطِفلِه فهي هِبةٌ تامةٌ بالعَقدِ ولا تَحتاجُ إلى قَبضٍ جَديدٍ.
وكذا كلُّ أمانةٍ في يَدِ إِنسانٍ إذا وُهبَت له؛ فإنَّه يَجوزُ ويَثبتُ المِلكُ للمَوهوبِ له، ويَنوبُ قَبضُ الأمانةِ عن قَبضِ الهِبةِ وهذا استِحسانٌ، والقياسُ ألَّا يَكونَ قابِضًا حتى يَتمكَّنَ من قَبضِه بالتَّخليةِ، ووَجهُ الاستِحسانِ أنَّ الهِبةَ تَبرعٌ، وقَبضُ الأمانةِ يَنوبُ عنه بخِلافِ ما إذا باعَ من المُودِعِ؛ لأنَّ البَيعَ عَقدُ ضَمانٍ، وقَبضُ الأمانةِ لا يَنوبُ عن قَبضِ الضَّمانِ.
ولو كانت العَينُ مَضمونةً في يَدِ إِنسانٍ بالمِثلِ أو بالقيمةِ كما في الغَصبِ والمَقبوضِ على سَومِ الشِّراءِ فوهَبَها من صاحِبِ اليَدِ تَصحُّ الهِبةُ ويُبرأُ عن الضَّمانِ، فيَكونُ قَبضًا غيرَ مَضمونٍ.
ولو كانَت مَضمونةً بغيرِها كالرَّهنِ والمَبيعِ فوهَبَها المالِكُ لمَن هي في يَدِه؛ فإنَّه لا يَكونُ قابِضًا بذلك ما لم يَقبِضْها قَبضًا مُستأنَفًا بعدَ عَقدِ الهِبةِ؛