الواهِبُ حَيًّا فللمَوهوبِ له المُطالبةُ بها من الواهِبِ حتى يَقبِضَها؛ فإنْ قبَضَها تمَّت له وصارَت مِلكًا مِنْ مِلكِه، وإنْ لم يَقبِضْها حتى يَموتَ الواهِبُ بطَلَت الهِبةُ عندَه؛ لأنَّهم أنزَلوها حينَ وهَبَها ولم يُسلمْها إلى أنْ ماتَ مَنزِلةَ مَنْ أَرادَ إِخراجَ تلك العَطيةِ بعدَ مَوتِه من رأسِ مالِه لوارِثٍ أو غيرِ وارِثٍ وكانت في يَدِه طُولَ حَياتِه فلم يَرضَ بها بعدَ مَماتِه فلم يَجزْ له شَيءٌ من ذلك.
هذا حُكمُه عندَ مالِكٍ وأَصحابِه إذا ماتَ الواهِبُ؛ فإنْ ماتَ المَوهوبُ له قبلَه كانَ لوَرثتِه عندَه أنْ يَقوموا مَقامَه بالمُطالبةِ لها حتى يُسلمَ إليهم الواهِبُ (١).
وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ في قَولٍ والشافِعيةُ في الجَديدِ -وهو المَذهبُ- والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ الهِبةَ لا تَلزمُ إلا بالقَبضِ، فهي على مِلكِ الواهِبِ حتى إنَّه لو رجَعَ فيها قبلَ قَبضِها صَحَّ رُجوعُه؛ لأنَّ الهِبةَ عَقدُ تَبرعٍ، وفي إِثباتِ المِلكِ قبلَ القَبضِ إِلزامُ المُتبرعِ شَيئًا لم يَتبرعْ به وهو التَّسليمُ، فلا يَصحُّ؛ فإنْ ماتَ أحدُهما -إمَّا الواهِبُ وإمَّا المَوهوبُ له- قبلَ التَّسليمِ بطَلَت الهِبةُ خِلافًا للصَّحيحِ عندَ الشافِعيةِ -كما سيَأتي-؛ لأنَّ تَمامَ الهِبةِ بالقَبضِ، وكانَ القَبضُ في الهِبةِ كالقَبولِ في البَيعِ من حيثُ إنَّ المِلكَ يَثبتُ به، فكما أنَّ مَوتَ أحدِهما بعدَ الإِيجابِ قبلَ القَبولِ يُبطِلُ البَيعَ فكذلك الهِبةُ، ولأنَّ بمَوتِ الواهِبِ زالَ مِلكُه، وفاتَ تَسليطُه