للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ المالِكيةُ في المَشهورِ والشافِعيُّ في القَديمِ -والإمامُ أحمدُ في رِوايةٍ في غيرِ المَكيلِ والمَوزونِ والمَعدودِ وقيلَ مُطلقًا- إلى أنَّ الهِبةَ تَلزمُ بمُجردِ العَقدِ، وأنَّ القَبضَ شَرطُ تَمامٍ وليسَ شَرطَ صِحةٍ؛ لقَولِه تَعالى: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١]، وقَولِه : «العائِدُ في هِبتِه كالكَلبِ يَعودُ في قَيئِه» (١) ولم يُفرِّقْ، ولأنَّه عَقدٌ من العُقودِ لم يَفتقِرِ انعِقادُه إلى قَبضِ المَعقودِ عليه كسائِرِ العُقودِ، ولأنَّه تَمليكُ عَينٍ في حالِ الحَياةِ فوجَبَ أنْ يَلزمَ بمُجردِ الإِيجابِ والقَبولِ، أصلُه البَيعُ، ولأنَّه عَقدُ إِرفاقٍ وتبَرُّرٍ فيَجبُ أنْ يَلزمَ بمُجردِ القَولِ، أصلُه الوَقفُ، ولأنَّها عَطيةٌ فوجَبَ أنْ تَلزمَ بالقَولِ نَفسِه، وحُصولِ صِفةِ الإِيجابِ والقَبولِ كالوَصيةِ، ولأنَّها هِبةٌ وُجدَ فيها الإِيجابُ والقَبولُ كالمَقبوضةِ (٢).

قالَ المالِكيةُ: الهِبةُ تُملكُ بالقَولِ على المَشهورِ ولو تَصدقَ بجَميعِ مالِه لقَصدِه القُربةَ، ويَتركُ له ما يُتركُ للمُفلسِ، فيَجوزُ للمَوهوبِ له أخذُها بلا


(١) أخرجه البخاري (٦٥٧٤)، ومسلم (١٦٢٠).
(٢) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٢٥٤)، رقم (١٠٩٧)، و «روضة الطالبين» (٤/ ١٨٨)، و «الشرح الكبير» (٦/ ٢٥٠)، و «المبدع» (٥/ ٣٦٣)، و «الإنصاف» (٧/ ١١٩، ١٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>