للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَيَّ وإلى عَقِبي، إنَّها لمَن أُعطيَها ولعَقِبِه» (١). وهذا أيضًا صَريحٌ في إِبطالِ الشَّرطِ؛ لأنَّ المُعمِرَ اشتَرطَ أنَّها تَرجعُ إليه، ومع ذلك لم يَجعلْ له النَّبيُّ حَقَّ الرُّجوعِ.

ولأنَّ تَمليكَ الأَعيانِ لا يَصحُّ أنْ يَتقدَّرَ بمُدةٍ، ولا يَجوزُ أنْ يُجعلَ على التأبيدِ لمَّا كانَ الشَّرطُ يَقتَضي أنْ يَكونَ فاسِدًا.

قالَ العَمرانِيُّ : فإنْ قيلَ: هلَّا قُلتُم: تَبطُلُ الهِبةُ على القَولِ الجَديدِ؛ لأنَّ العُمرَى تَقتَضي التَّمليكَ على التَّأبيدِ، فإذا قدَّرَه بحَياةِ المُعمَرِ فقد شرَطَ شَرطًا يُنافي مُقتَضى العَقدِ فأبطَلَه، كما لو قالَ: وهَبتُك هذه الدارَ سَنةً؟

فالجَوابُ: أنَّ هذا الشَّرطَ لا يُبطِلُ العُمرَى؛ لأنَّه ليسَ بشَرطٍ على المُعمَرِ، وإنَّما هو شَرطٌ على وَرثتِه، فإذا لم يَكنِ الشَّرطُ على المَعقودِ له لم يُؤثِّرْ في العَقدِ بخِلافِ ما لو قالَ: وهَبتُ لك داري سَنةً؛ فإنَّه لا يَصحُّ؛ لأنَّ النُّقصانَ دخَلَ في مِلكِ المَعقودِ له، فلم يَصحَّ (٢).

قالَ ابنُ قُدامةَ : وأمَّا حَديثُهم الذي احتَجُّوا به فمِن قَولِ جابِرٍ نَفسِه، وأمَّا نَقلُ لَفظِ النَّبيِّ قالَ: «أمسِكوا عليكم أَموالَكم ولا تُفسِدوها؛ فإنَّه مَنْ أعمَرَ عُمرَى فهي للذي أُعمِرَها حَيًّا ومَيِّتًا ولعَقِبِه» (٣). ولأنَّا لو أجَزْنا هذا الشَّرطَ كانَت هِبةً مُؤقتةً، والهِبةُ لا يَجوزُ فيها التأقيتُ،


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه النسائي (٣٧٤٩).
(٢) «البيان» (٨/ ١٣٩، ١٤٠).
(٣) أخرجه مسلم (١٦٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>