وقالَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيميةَ ﵀: وكلُّ ما عَدَّه الناسُ بَيعًا أو هِبةً من مُتعاقِبٍ أو مُتراخٍ من قَولٍ أو فِعلٍ انعقَدَ به البَيعُ والهِبةُ (١).
وقالَ أيضًا: إنَّ هذه الأَسماءَ جاءَت في كِتابِ اللهِ وسُنةِ رَسولِه مُعلقًا بها أحكامٌ شَرعيةٌ، وكلُّ اسمٍ لا بدَّ له من حَدٍّ، فمنه ما يُعلمُ حَدُّه باللُّغةِ كالشَّمسِ والقَمرِ والبَرِّ والبَحرِ والسَّماءِ والأرضِ، ومنه ما يُعلمُ بالشَّرعِ كالمُؤمنِ والكافِرِ والمُنافِقِ وكالصَّلاةِ والزَّكاةِ والصِّيامِ والحَجِّ، وما لم يَكنْ له حَدٌّ في اللُّغةِ ولا في الشَّرعِ فالمَرجعُ فيه إلى عُرفِ الناسِ، كالقَبضِ المَذكورِ في قَولِه ﷺ:«مَنْ ابتاعَ طَعامًا فلا يَبِعْه حتى يَقبِضَه»، ومَعلومٌ أنَّ البَيعَ والإجارةَ والهِبةَ ونَحوَها لم يَحُدَّ الشارِعُ لها حَدًّا لا في كِتابِ اللهِ ولا سُنةِ رَسولِه ﷺ ولا نُقلَ عن أحدٍ من الصَّحابةِ والتابِعينَ أنَّه عيَّنَ للعُقودِ صِفةً مُعيَّنةً من الأَلفاظِ أو غيرِها، أو قالَ ما يَدلُّ على ذلك من أنَّها لا تَنعقِدُ إلا بالصِّيغِ الخاصةِ، بل قد قيلَ: إنَّ هذا القَولَ مما يُخالفُ الإِجماعَ القَديمَ ومِن البِدعِ، وليسَ لذلك حَدٌّ في لُغةِ العَربِ، بحيث يُقالُ: إنَّ أهلَ اللُّغةِ يُسمُّون هذا بَيعًا، ولا يُسمُّون هذا بَيعًا حتى يَدخلَ أحدُهما في خِطابِ اللهِ ﷾، ولا يَدخلُ الآخَرُ، بل تَسميةُ أهلِ العُرفِ من العَربِ هذه المُعاقداتِ بَيعًا دَليلٌ على أنَّها في لُغتِهم تُسمَّى بَيعًا، والأصلُ بَقاءُ اللُّغةِ وتَقريرُها، لا نَقلُها وتَغييرُها.