وقالَ الحَنابلةُ: تَحصلُ الهِبةُ بما يَتعارَفُه الناسُ هِبةً من الإِيجابِ والقَبولِ والمُعاطاةِ المُقترنةِ بما يَدلُّ عليها، فالإِيجابُ أنْ يَقولَ:«وهَبتُك، أو أهدَيتُ إليك، أو ملَّكتُك، أو هذا لك»، ونَحوَه من الأَلفاظِ الدالةِ على هذا المَعنى، والقَبولُ أنْ يَقولَ:«قبِلتُ، أو رَضيتُ»، أو نحوَ هذا.
وتَصحُّ بالمُعاطاةِ المُقترنةِ بما يَدلُّ عليهما، وإنْ لم يَحصُلْ إِيجابٌ أو قَبولٌ.
ذكَر القاضِي وأَبو الخَطَّابِ أنَّ الهِبةَ والعَطيةَ لا بدَّ فيها من الإِيجابِ والقَبولِ، ولا تَصحُّ بدونِه سَواءٌ وُجدَ القَبضُ أو لم يُوجدْ.
والصَّحيحُ أنَّ المُعاطاةَ والأَفعالَ الدالةَ على الإِيجابِ والقَبولِ كافيةٌ، ولا يحتاجُ إلى لَفظٍ، اختارَه ابنُ عَقيلٍ؛ فإنَّ النَّبيَّ ﷺ كانَ يُهدِي ويُهدَى إليه، ويُعطِي ويُعطَى، ويُفرِّقُ الصَّدقاتِ ويأمُرُ سُعاتِه بأَخذِها وتَفريقِها وكانَ أَصحابُه يَفعَلون ذلك، ولم يُنقلْ عنهم في ذلك إِيجابٌ ولا قَبولٌ، ولا أمْرٌ به ولا تَعليمُه لأحدٍ، ولو كانَ ذلك شَرطًا لنُقلَ عنهم نَقلًا مُشتهَرًا، وقد كانَ ابنُ عُمرَ على بَعيرٍ لعُمرَ فقالَ النَّبيُّ ﷺ لعُمرَ «بِعنِيه»، فقالَ: هو لك يا رَسولَ اللهِ. فقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ:«هو لك يا عبدَ اللهِ بنَ عُمرَ فاصنَعْ به ما شِئتَ»، ولم يُنقَلْ قَبولُ النَّبيِّ ﷺ من عُمرَ ولا قَبولُ ابنِ عُمرَ من النَّبيِّ ﷺ، ولو كانَ شَرطًا لفعَلَه