ومِن حُجَّةِ مالِكٍ والشافِعيِّ في ذلك أيضًا حَديثُ أُمِّ سَلمةَ عن النَّبيِّ ﷺ أنَّه قالَ:«سَيكونُ عليكُم أُمراءُ تَعرِفونَ وتُنكِرونَ؛ فمَن أنكَرَ فقَد بَرِئَ، ومَن كَرِهَ فقد سَلِمَ، ولكن مَنْ رَضِيَ وتابعَ. قالوا: يا رَسولَ اللهِ، ألَا نُقاتِلُهم؟ قالَ: لَا، ما صَلوا الخَمسَ»، فدلَّ على أنَّهم لا يُقاتَلونَ ولَا يُقتلونَ إذا صَلوا الخَمسَ.
ودلَّ ذلك على أنَّ مَنْ لم يُصلِّ الخَمسَ قُوتِلَ وقُتل.
وقولُه ﷺ في مالِكِ بنِ الدُّخشُمِ: ألَيسَ يُصلِّي؟ قالُوا: بَلَى، ولا صَلاةَ لَه. فقالَ:«أُولئِكَ الَّذينَ نَهانِي اللهُ عنهم، أو عن قَتلِهم»، فدلَّ على أنَّه لو لم يُصلِّ لم يكن من الَّذينَ نَهاهُ اللهُ عن قَتلِهم، بل كانَ يَكونُ مِنْ الَّذينَ أمرَهُ اللهُ بقَتلِهم. وقالَ ﷺ:«إنِّي نُهِيتُ عن قَتلِ المُصلِّينَ».
فدلَّ ذلك على أنَّه قد أُمر بقَتلِ مَنْ لم يُصلِّ، كما نُهِيَ عَنْ قَتلِ مَنْ صلَّى، وأنَّه لا يَمنعُ منَ القتلِ إلَّا فِعلُ الصَّلاةِ، واللهُ أعلَمُ.
قالُوا: فهَذا كلُّه يدلُّ على القَتلِ، ولَا يدلُّ على الكُفرِ.
وتأوَّلوا في الآثارِ التي وردَ ظاهرُها بتَكفيرِ تاركِ الصَّلاةِ ما تَأوَّلوا في زِنا المُؤمِنِ وسِرقَتِه وشُربِه الخَمرَ، وانتِهابِه النُّهبَةَ التي يَرفعُ النَّاسُ إليه فيها رُؤُوسَهم بقولِه ﷺ:«لا يَزنِي الزَّانِي حين يَزني وهُو مُؤمِنٌ … »، الحَديثَ، وما كانَ مِثلَه، وفي تَفسيقِه وسِبابِه والرَّغبةِ عن الآباءِ وضَربِ بعضِهم رِقابَ بَعضٍ، والحُكمِ بغيرِ ما أنزَلَ اللهُ، وما كانَ مثلَ هذا.
روى ابنُ عُيينةَ عَنْ هشامِ بنِ حجَرٍ عن طاوُسٍ عَنْ ابنِ عبَّاسٍ أنَّه قالَ: