للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّبريُّ وآخَرون، والصَّحيحُ المَشهورُ الذي عليه الجُمهورُ أنَّه يُستحبُّ في غيرِ عَطيةِ السُّلطانِ، وأمَّا عَطيةُ السُّلطانِ فحرَّمَها قَومٌ وأباحَها قَومٌ وكرِهَها قَومٌ، والصَّحيحُ أنَّه إنْ غلَبَ الحَرامُ فيما في يَدِ السُّلطانِ حَرُمَت، وكذا إنْ أعطى مَنْ لا يَستحقُّ، وإنْ لم يَغلِبِ الحَرامُ فمُباحٌ إنْ لم يَكنْ في القابِضِ مانِعٌ يَمنعُه من استِحقاقِ الأخْذِ، وقالَت طائِفةٌ: الأخذُ واجِبٌ من السُّلطانِ وغيرِه، وقالَ آخَرون: هو مَندوبٌ في عَطيةِ السُّلطانِ دونَ غيرِه، واللهُ أعلَمُ (١).

وعن عُروةَ بنِ الزُّبيرِ وسَعيدِ بنِ المُسيِّبِ أنَّ حَكيمَ بنَ حِزامٍ قالَ: سألتُ رَسولَ اللهِ فأعطاني ثم سألتُه فأعطاني، ثم سألتُه فأعطاني، ثم قالَ: يا حَكيمُ، إنَّ هذا المالَ خَضِرةٌ حُلوةٌ فمَن أخَذَه بسَخاوةِ نَفسٍ بُوركَ له فيه، ومَن أخَذه بإشرافِ نَفسٍ لم يُبارَكْ له فيه، وكانَ كالذي يأكُلُ ولا يَشبعُ، اليَدُ العُليا خَيرٌ من اليَدِ السُّفلى. قالَ حَكيمٌ: فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، والذي بعَثَك بالحَقِّ لا أرزَأُ أحَدًا بعدَك شَيئًا حتى أُفارقَ الدُّنيا. فكانَ أبو بَكرٍ يَدعو حَكيمًا إلى العَطاءِ فيَأبى أنْ يَقبلَه منه، ثم إنَّ عُمرَ دَعاه ليُعطيَه فأبى أنْ يَقبلَ منه شَيئًا، فقالَ عُمرُ: إنِّي أُشهِدُكم يا مَعشرَ المُسلِمينَ على حَكيمٍ أنِّي أعرِضُ عليه حَقَّه من هذا الفَيءِ فيَأبى أنْ يأخُذَه، فلم يَرزأْ حَكيمٌ أحَدًا من الناسِ بعدَ رَسولِ اللهِ حتى تُوفِّيَ» (٢).


(١) «شرح صحيح مسلم» (٧/ ١٣٤، ١٣٥).
(٢) أخرجه البخاري (١٤٠٣)، ومسلم (١٠٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>