للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانَ يُعطي عُمرَ بنَ الخَطَّابِ العَطاءَ، فيَقولُ له عُمرُ: أعطِه يا رَسولَ اللهِ أفقَرَ إليه مِنِّي. فقالَ له رَسولُ اللهِ «خُذْه فتَموَّلْه أو تَصدَّقْ به، وما جاءَك من هذا المالِ وأنتَ غيرُ مُشرِفٍ ولا سائِلٍ فخُذْه، وما لا فلا تُتبِعْه نَفسَكَ». قالَ سالِمٌ: فمِن أجلِ ذلك كانَ ابنُ عُمرَ لا يَسألُ أحدًا شَيئًا ولا يَردُّ شَيئًا أُعطيَه (١).

وقالوا: إنَّ أمرَ النَّبيِّ بهذا أمرُ نَدبٍ، قالَ الطَّبريُّ: اختَلفَ العُلماءُ في مَعنى قَولِه لعُمرَ: «ما جاءَك من هذا المالِ فخُذْه» بعدَ إِجماعِهم على أنَّه أمرُ نَدبٍ وإرشادٍ، والصَّوابُ عندي أنَّه نَدبٌ منه لأُمَّتِه إلى قَبولِ عَطيةِ كلِّ مُعطٍ جائِزٍ عَطيَّتُه، سُلطانًا كانَ أو رَعيةً، وذلك أنَّ الرَّسولَ قالَ لعُمرَ: «ما آتاك اللهُ من هذا المالِ وأنتَ غيرُ مُشرِفٍ ولا سائِلٍ فاقبَلْه»، فندَبَه إلى قَبولِ كلِّ ما آتاه اللهُ من المالِ من جَميعِ وُجوهِه من غيرِ تَخصيصِ وَجهٍ من الوُجوهِ دونَ غيرِه، سِوى ما استَثناه ، وذلك ما جاءَ من وَجهٍ حَرامٍ عليه، فلا يَحلُّ له قَبولُه، كالذي يَغصِبُ رَجلًا مُسلمًا مالَه ثم يُعطيه بعَينِه آخَرَ والذي يُعطاه يَعلمُ غَصبَه أو سَرقتَه أو خيانتَه؛ فإنْ قبِلَه كانَ واجِبًا عليه رَدُّه (٢).

قالَ الإمامُ النَّوويُّ : واختَلفَ العُلماءُ فيمَن جاءَه مالٌ، هل يَجبُ قَبولُه أو يُندبُ؟ على ثَلاثةِ مَذاهبَ حَكاها أبو جَعفرٍ مُحمدُ بنُ جَريرٍ


(١) أخرجه البخاري (١٤٠٤)، ومسلم (١٠٤٥)، واللفظ له.
(٢) «شرح ابن بطال لصحيح البخاري» (٣/ ٥٠٧، ٥٠٨)، و «فتح الباري» (٣/ ٣٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>