للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَقصودَ من الحَجِّ والصَّومِ لا يَحصلُ إلَّا بالنِّيةِ، وذلك لا يَقعُ بغيرِه، فإنِ اقتصَرُوا على ظاهِرِ الفِعلِ فمِثلُه في الصَّلاةِ مُمكِنٌ؛ لأنَّه يُوَضَّأُ ويُجبَرُ على القِيامِ والرُّكوعِ والسُّجودِ خلفَ إمامٍ؛ حتىَّ لا يَحتاجُ إلى القِراءةِ، ولأنَّه لا يَخلُو أن يُقتلَ بتَركِ الأُولى أوِ الثَّانيَةِ، ولا يَجوزُ أن يُقتلَ بالأُولَى؛ لأنَّها فائِتةٌ، ووقتُ فِعلِها غيرُ مُتَضَيَّقٍ، ولا يَجوزُ أن يُقتلَ بالثَّانيةِ؛ لأنَّها لم تَفُت عن وقتِها، فلا يُقتلُ بها، كالأُولَى، ولا يُقالُ: إنَّه يُضرَبُ عندَكم، فيَلزمُكم مِثلُ ما ألزَمتُمُونا؛ لأنَّ العازِمَ على تَركِ الصَّلاةِ يُضرَبُ عندَنا بالعَزمِ، فلا يَلزمُنَا ما ألزَمنَاهُم … (١).

القولُ الثَّالثُ: هو مَذهبُ المالِكِيَّةِ والشافِعيِّةِ وبعضِ الحَنابلَةِ كَأَبِي عَبد اللهِ بنِ بَطَّةَ وابنِ قُدَامةَ: أنَّ تاركَ الصَّلاةِ تَكاسلًا وتَهاوُنًا بها يُستَتابُ، فإن تابَ وإلَّا قُتل حَدًّا، لا ردَّةً، فيُغَسلُ ويُصلَّى عليه ويُدفنُ في مَقابرِ المُسلِمينَ، ويَرثُهُ ورَثَتُه مِنْ المُسلِمينَ؛ لأنَّه لا يُقتلُ على الكُفرِ، إن كانَ مُقِرًّا بِما جَاءَ بِه مُحمَّدٌ مِنْ التَّوحيدِ والشَّرائعِ ودِينِ الإسلامِ، ومُقِرًّا بفَرضِ الصَّلاةِ والصِّيامِ، إلَّا أَّنه يَأبَى أداءَها وهُو مُقِرٌّ بفَرضِها ومُؤمِنٌ باللهِ وملائكَتِه وكُتُبِه ورُسُلِه والبَعثِ بعدَ المَوتِ.

قالَ ابنُ عَبد البرِّ : ومِن حُجَّةِ مَنْ ذَهب هذا المَذَهب فِعلُ أَبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ في جَماعةِ الصَّحابَةِ؛ لأنَّهم رَجعُوا إلى قولِه حينَ قالَ له عمرُ: كيفَ نقاتلُ النَّاسَ وقد قالَ رَسولُ اللهِ : «مَنْ قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللهُ، عصمَ مِنِّي دَمَه ومالَه إلَّا بحقِّهِ، وحِسابُه على اللهِ؟» فقالَ أبو بَكرٍ:


(١) «التَّجريد الضَّروريُّ» (٢/ ١٠٢٤، ٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>