ذهَبَ الفقهاء عامةً إلى أنَّ سُؤالَ الهِبةِ قد يَكونُ واجِبًا، وقد يَكونُ مُستحبًّا، وقد يَكونُ جائِزًا.
فيَجبُ عندَ الشافِعيةِ في الأصَحِّ سُؤالُ هِبةِ الماءِ إذا لم يَحتَجْ واهِبُ الماءِ إليه، وضاق الوَقتُ عن طَلبِ الماءِ؛ لأنَّه حينَئذٍ يُعدُّ واجِدًا للماءِ ولا تَعظُمُ فيه المِنةُ؛ فإنِ احتاجَ إليه الواهِبُ لعَطشٍ حالًا أو مآلًا أو لغيرِه حالًا، أو اتَّسعَ الوَقتُ لم يَجبْ اتِّهابُه (١).
سُئلَ ابنُ القاسِمِ عن الرَّجلِ يَكونُ في السَّفرِ يَعجِزُ ماؤُه، ومع أَصحابِه ماءٌ، أتَرى أنْ يَسألَهم لوُضوئِه أم يَتيمَّمُ؟ قالَ: أمَّا المَكانُ كَثيرُ الماءِ فلا أَرى بذلك بأْسًا، وأمَّا المَوضعُ الذي يَتعذَّرُ فيه فأَرجو أنْ يَكونَ واسِعًا.
قالَ مُحمدُ بنُ رُشدٍ: واجِبٌ على الرَّجلِ أنْ يَطلبَ الماءَ لوُضوئِه إذا عُدِمَه ولم يَجدْ مَنْ يَشتَريه منه، وهو واجِدٌ بما يُشبهُ من الثَّمنِ على ما في «المُدونةِ» ممَّن يَليه ويَظنُّ أنَّه لا يَمنعُه ويُعطيه؛ لمَا قالَ في سَماعِ أشهَبَ من هذا الكِتابِ وليسَ في قَولِه في هذه الرِّوايةِ:«فلا أرى بذلك بأْسًا» دَليلٌ على أنَّ له أنْ يَترُكَ الطَّلبَ في المَكانِ كَثيرِ الماءِ الذي يَقعُ في نَفسِه أنَّه لا يُبخَلُ فيه به عليه؛ لأنَّ المَعنى في سُؤالِ السائِلِ يُكرَهُ له سُؤالُ الماءِ من ناحيةِ أنَّ المَسألةَ مَكروهةٌ، فأخبَرَ أنَّه لا كَراهيةَ في السُّؤالِ في هذا الكِتابِ، وإذا انتَفَت
(١) «المجموع» (٢/ ٢٨٠)، و «مغني المحتاج» (١/ ٢٣٨، ٢٣٩).