وذهَبَ جُمهورُ الفَقهاءِ الحَنفيةِ والشافِعيةِ والحَنابلةِ إلى أنَّ عقدَ العارِيةِ عقدٌ جائزٌ وليسَ بلَازمٍ، فيَجوزُ للمُعيرِ أنْ يَرجعَ في عارِيتِه متى شاءَ؛ لأنَّها عَقدُ ارتِفاقٍ ومَعونةٌ، وسَواءٌ قدَّرَها بمُدةٍ أم لا؛ لأنَّه ملكٌ لا يُقابلُه عِوضٌ فلا يَكونُ لَازمًا، ولأنَّ لُزومَها يُخرجُها عن حُكمِ العارِيةِ إلى حُكمِ الإِجارةِ، ولو جازَ أنْ يَختلفَ حُكمُها بتَقديرِ المُدةِ في حقِّ المُعيرِ لاختَلفَ في حقِّ المُستَعيرِ، وفائدةُ المُدةِ مَنعُ المُستَعيرِ مِنْ التَّصرُّفِ بعدَ مُضيِّ المُدةِ، ولأنَّ المَنافعَ المُستقبَلةَ لَم تَحصلْ في يدِه فلَم يَملكْها بالإِعارةِ كما لو لَم تَحصلِ العَينُ في يدِه، ولأنَّ العارِيةَ مَكرُمةٌ ومبَرَّةٌ مِنْ المُعيرِ، وارتِفاقٌ مِنْ المُستَعيرِ، فلو أَلزَمْناها لامتَنعَ الناسُ منها (١).
إلا أنَّ الفَقهاءَ اختلَفُوا فيما لو أعارَه أرضًا للزِّراعةِ أو البِناءِ، هل له الرُّجوعُ؟
فقالَ الحَنفيةُ: ولو استَعارَ أرضًا على أنْ يَبنيَ فيها بِناءً أو يَغرسُ فيها غَرسًا فإما إنْ كانَ مُطلقًا أو مُؤقَّتًا إلى عشرِ سِنينَ ونحوِه.
(١) «تحفة الفقهاء» (٣/ ١٧٩)، و «بدائع الصنائع» (٦/ ٢١٦، ٢١٧)، و «الاختيار» (٣/ ٧٠)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ١٦٨)، و «اللباب» (١/ ٦٥٢)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٢٧)، و «تبيين الحقائق» (٥/ ٨٨)، و «الحاوي الكبير» (٧/ ١١٨)، و «البيان» (٦/ ٥١٦)، و «المهذب» (١/ ٣٦٣)، و «النجم الوهاج» (٥/ ١٥٣)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٢٧٧، ٢٧٨)، و «تحفة المحتاج» (٦/ ٧٠٩، ٧١٠)، و «المغني» (٥/ ١٣٣)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ١٠٣)، و «كشاف القناع» (٤/ ٨٠).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute