للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسَببُ الخِلافِ: تَعارضُ الآثارِ في ذلك، وذلك أنَّه ورَدَ في الحَديثِ الثابتِ أنَّه قالَ لصَفوانَ بنِ أُميةَ: «بل عارِيةٌ مَضمونةٌ مُؤدَّاةٌ»، وفي بعضِها: «بل عارِيةٌ مُؤدَّاةٌ»، ورُويَ عنه أنَّه قالَ: «ليسَ على المُستَعيرِ ضَمانٌ»، فمَن رجَّحَ وأخَذَ بهذا أسقَطَ الضَّمانَ عنه، ومَن أخَذَ بحَديثِ صَفوانَ بنِ أُميةَ ألزَمَه الضَّمانَ، ومَن ذهَبَ مَذهبَ الجَمعِ فرَّقَ بينَ ما يُغابُ عليه وبينَ ما لا يُغابُ عليه، فحمَلَ هذا الضَّمانَ على ما يُغابُ عليه والحَديثَ الآخرَ على ما لا يُغابُ عليه، إلا أنَّ الحَديثَ الذي فيه: «ليسَ على المُستَعيرِ ضَمانٌ» غيرُ مَشهورٍ، وحَديثُ صَفوانَ صَحيحٌ، ومَن لَم يرَ الضَّمانَ شبَّهَها بالوَديعةِ، ومَن فرَّقَ قالَ: الوَديعةُ مَقبوضةٌ لمَنفعةِ الدافعِ، والعارِيةُ لمَنفعةِ القابِضِ.

واتَّفقوا في الإِجارةِ على أنَّها غيرُ مَضمونةٍ -أَعني الشافعيَّ وأَبا حَنيفةَ ومالكًا-، ويُلزِمُ الشافعيُّ إذا سلَّمَ أنَّه لا ضَمانَ عليه في الإِجارةِ ألَّا يَكونَ ضَمانٌ في العارِيةِ إنْ سلَّمَ أنَّ سَببَ الضَّمانِ هو الانتِفاعُ؛ لأنَّه إذا لَم يَضمنْ حيثُ قبَضَ لمَنفعتِهما فأحرَى ألَّا يَضمنَ حيثُ قبَضَ لمِنفعتِه إذا كانَت مَنفعةُ الدافعِ مُؤثِّرةً في إِسقاطِ الضَّمانِ (١).


(١) «بداية المجتهد» (٢/ ٢٣٥، ٢٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>