فقالَ الحَنفيةُ: إنَّ يدَ المُستعيرِ يدُ أمانةٍ فيدُه كَيَدِ المالكِ، فإذا هلَكَت عندَه قبلَ رهنِه أو بعدَ فكِّ الرهنِ لَم يَضمنْ إذا لَم يَتعدَّ أو يُفرِّطْ، كما لو استعارَ عينًا لِيَرهنَها وقد سمَّى له المُعيرُ قدرًا أو جنسًا أو مكانًا أو مُرتهنًا فخالَفَ المُستَعيرُ وهلكَ الرهنُ عندَ المُرتهِنِ فالمُعيرُ بالخيارِ، إنْ شاءَ ضمِنَ المُستَعيرُ ويَتمُّ عقدُ الرهنِ بينَه وبينَ المُرتهِنِ، وإنْ شاءَ ضمِنَ المُرتهنُ ويَرجعُ المُرتهنُ بما ضمِنَ وبالدَيْنِ على الراهنِ.
أما المُرتهِنٍ فيدُه يدُ ضمان، فإذا هلَكَتِ العينُ المُستعارةُ للرهنِ في يدِه صارَ مُستوفِيًا حقِّه ووجبَ للمُعيرِ على المُستعيرِ الراهنِ مثلُ الدَّيْنِ؛ كما سيَأتي.
قالَ في «شرحِ الوقايةِ»: فإنْ خالَفَ المُستَعيرُ وهلَكَ الرهنُ ضمِنَ المُستَعيرُ قيمةَ الرهنِ؛ لأنَّه تصرَّفَ في ملكِ غيرِه على وجهٍ لَم يَأذنْ له فيه فصارَ غاصبًا، وإذا ضمِنَ المُستَعيرُ القيمةَ تمَّ عقدُ الرهنِ بينَه وبينَ المُرتهِنِ؛ لأنَّ المُستعيرَ ملَكَه بأداءِ الضَّمانِ، فتبيَّنَ أنَّه كانَ رهَنَ ملكَ نفسِه، وإنْ شاءَ المُعيرُ ضمِنَ المُرتهنُ، فلا يَتمُّ عقدُ الرهنِ بينَ الراهنِ والمُرتهِنِ، فيَرجعُ المُرتهِنُ على الراهنِ بما ضمِنَ وبالدَّيْنِ، أما بالدَّيْنِ فظاهرٌ، وأما بما ضمِنَ فلأنَّ الراهنَ ورَّطَه في ذلك، وصارَ كما لو ماتَ العبدُ المَرهونُ ثُم استحقَّ وضمِنَ المُستحقُّ المُرتهنُ.