للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّه تعيَّنَ رُكوبُه، ولو أركَبَ غيرَه ليسَ له أنْ يَركبَ بنفسِه حتى لو فعَلَه ضمِنَ؛ لأنَّه قد تَعيَّنَ الإِركابُ، فأما إذا استَعارَها ليَركبَها هو أو استَعارَ ثَوبًا ليَلبسَه هو فأَركبَها غيرَه أو أَلبسَه غيرَه فتلِفَ ضمِنَ؛ لأنَّها مُقيَّدَةٌ هنا برُكوبِه ولبسِه، وإنِ استَعارَ دارًا ليَسكنَها هو فأَعارَها غيرَه فسكَنَها لَم يَضمنْ؛ لأنَّ الدّورَ لا تَختلِفُ باختلافِ المُستَعملِ (١).

وذهَبَ الشافِعيةُ في الصَّحيحِ والحَنابلةُ إلى أنَّه لا يَجوزُ للمُستعيرِ أنْ يُعيرَ؛ لأنَّه غيرُ مالكٍ للمَنفعةِ وإنَّما أُبيحَ له الانتِفاعُ، والمُستبيحُ لا يَملِكُ نقَلَ الإِباحةِ، كما أنَّ الضيفَ لا يُبيحُ لغيرِه ما قُدِّمَ له، ويُخالِفُ المُستأجِرَ فإنَّه يَملِكُ المَنافعَ فلذلك جازَ أنْ يُملِّكها غيرَه، كمَن اشتَرى شيئًا فله أنْ يَتصرَّفَ فيه بما شاءَ.

قالَ الحَنابلةُ: فإنْ أعارَ المُستَعيرُ بلا إذنٍ فتلِفَت العارِيةُ عندَ الثانِي فللمالكِ ربِّ العَينِ أنْ يُضمِّنَ أيَّهما شاءَ، القِيمةَ والمَنفعةَ، أما الأولُ فلأنَّه سلَّطَ غيرَه على أخذِ مالِ غيرِه بغيرِ إذنِه أشبهَ ما لو سلَّطَ على مالِ غيرِه دابةً فأكلَتْه، وأما الثانِي فلأنَّ العينَ والمَنفعةَ فاتا على مالكِهما في يدِه، والقَرارُ في ضَمانِهما على الثانِي؛ لأنَّه المُستوفِي للمَنفعةِ بدونِ إذنِ المالكِ، وتَلفُ العَينِ إنَّما حصَلَ تحتَ يدِه، ومحلُّ ذلك إذا كانَ الثانِي عالمًا بالحالِ، وكذا


(١) «الجوهرة النيرة» (٤/ ١٧٠)، و «اللباب» (١/ ٦٥٣)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>