للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ جُمهورُ الفَقهاءِ الحَنفيةِ والمالِكيةِ والشافِعيةِ في الأَظهرِ والحَنابلةِ إلى أنَّه يَجوزُ للإمامِ أنْ يَحميَ للمُسلِمينَ مِنْ المَواتِ مَراعيَ تَرعى فيها خَيلُ المُجاهِدينَ ونَعمُ الجِزيةِ وإِبلُ الصَّدقةِ وضَوالُّ الناسِ التي يَقومُ الإمامُ بحِفظِها وماشِيةُ الضَّعيفِ مِنْ الناسِ على وجهٍ لا يَستضرُّ به مَنْ سِواه مِنْ الناسِ.

ولِما رُويَ أنَّ أَبا بَكرٍ حَمى بالرَّبذةِ لإِبلِ الصَّدقةِ، واستَعملَ عليه مَولاه أَبا أُسامةَ وتَولاهُ عليه قُرطُ بنُ مالكٍ، وحَمى عُمرُ بنُ الخَطابِ الشرفَ فحَمى منه نحوَ ما حَمى أَبو بَكرٍ بالرَّبذةِ.

فرَوى عامرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ عن أَبيه قالَ: «أَتى أَعرابيٌّ مِنْ أهلِ نَجدٍ عُمرَ فقالَ: يا أميرَ المُؤمِنينَ، بلادُنا قاتَلْنا عليها في الجاهليَّةِ وأسلَمْنا عليها في الإِسلامِ، فعلامَ تَحمِيها؟ فأطرقَ عُمرُ وجعَلَ يَنفخُ ويَفتلُ شاربَه -وكانَ إذا كرِهَ أمرًا فتَلَ شاربَه ونفَخَ-، فلما رَأى الأَعرابيُّ ما به جعَلَ يُردِّدُ ذلك، فقالَ عُمرُ: المالُ مالُ اللهِ والعِبادُ عِبادُ اللهِ، فلولا ما أَحملُ عليه في سَبيلِ اللهِ ما حمَيْت مِنْ الأرضِ شِبرًا في شبْرٍ» (١).

قالَ مالكٌ: نُبِّئتُ أنَّه كانَ يَحملُ في كلِّ عامٍ على أربَعينَ ألفًا مِنْ الظَّهرِ، وقالَ مَرةً: مِنْ الخَيلِ.

ورَوى زَيدُ بنُ أَسلمَ عن أَبيه أنَّ عُمرَ بنَ الخَطابِ «استَعملَ مولًى له يُدعَى هنَيًّا على الحِمى، فقالَ: يا هنَيُّ، اضْممْ جناحَكَ عن الناسِ،


(١) رواه أبو عبيد في «الأموال» (٧٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>