للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه، وحُكمُه في التَّظليلِ على نَفسِه بما ليسَ بناءً ومَنعِه مِنْ البناءِ ومنعِه إذا طالَ مُقامُه حُكمُ السابقِ على ما أسلَفْناه (١).

وقالَ أيضًا قبلَ ذلك: وما كانَ مِنْ الشَّوارعِ والطُّرقاتِ والرِّحابِ بينَ العُمرانِ فليسَ لأحدٍ إِحياؤُه، سَواءٌ كانَ واسعًا أو ضيِّقًا، وسَواءٌ ضيَّقَ على الناسِ أو لَم يُضيِّقْ؛ لأنَّ ذلك يَشتركُ فيه المُسلِمونَ وتَتعلَّقُ به مَصلحتُهم فأشبَه مَساجدَهم، ويَجوزُ الارتِفاقُ بالقُعودِ في الواسعِ مِنْ ذلك للبيعِ والشِّراءِ على وجهٍ لا يُضيِّقُ على أحدٍ ولا يَضُرُّ بالمارَّةِ؛ لاتِّفاقِ أهلِ الأَمصارِ في جميعِ الأَعصارِ على إِقرارِ الناسِ على ذلك مِنْ غيرِ إِنكارٍ، ولأنَّه ارتِفاقٌ مُباحٌ مِنْ غيرِ إِضرارٍ فلَم يَمنعْ منه كالاجتِيازِ، قالَ أحمدُ في السابقِ إلى دَكاكينِ السُّوقِ غَدوةً فهو له إلى اللَّيلِ، وكانَ هذا في سُوقِ المَدينةِ فيما مَضى، وقد قالَ النَّبيُّ : «منًى مناخُ مَنْ سبَقَ» (٢)، وله أنْ يُظلِّلَ على نفسِه بما لا ضَررَ فيه مِنْ بارِيَّةِ وتابوتٍ وكِساءٍ ونحوِه؛ لأنَّ الحاجةَ تَدعو إليه مِنْ غير مضرَّةٍ فيه، وليسَ له البِناءُ لا دكةً ولا غيرَها؛ لأنَّه يُضيِّقُ على الناسِ ويَعثُرُ به المارةُ باللَّيلِ والضَّريرُ في الليلِ والنهارِ ويَبقى على الدوامِ، فرُبَّما ادَّعى ملكَه بسَببِ ذلك، والسابقُ أحقُّ به ما دامَ


(١) «المغني» (٥/ ٣٣٦).
(٢) رواه أبو داود (٢٠١٩)، والترمذي (٨٨١)، وقَالَ الترمذي: هذا حَديثٌ حَسنٌ صَحيحٌ. وابن ماجه (٣٠٠٧)، وابن خزيمة في «صحيحه» (٢٨٩١)، والحاكم في «المستدرك» (١٧١٤)، وقَالَ: هذا حَديثٌ صَحيحٌ على شَرطِ مُسلمٍ ولم يُخرِّجاهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>