للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِحداثَ الأَبنيةِ يُستحقُّ في الأَملاكِ، وأما إذا حلَّقَ الفَقهاءُ في المَساجدِ والجَوامعِ حِلقًا مُنعَ الناسُ مِنْ استِطراقِها والاجتِيازِ فيها؛ لقولِه : «لا حِمى إلا في ثَلاثٍ: ثُلةِ البئرِ، وطولِ الفرسِ، وحَلقةِ القومِ»، فلو عُرفَ فَقيهٌ بالجُلوسِ مع أَصحابِه في مَوضعٍ مِنْ الجامعِ لَم يَكنْ له مَنعُ مَنْ سبَقَ إليه، وكانَ السابقُ أحقَّ به، وقالَ مالكٌ: قد صارَ مَنْ عُرفَ بذلك المَوضعِ مِنْ الفَقهاءِ والقُرَّاءِ أحقَّ به، وله مَنعُ مَنْ سبَقَ إليه، وهذا غيرُ صَحيحٍ؛ لقولِه تَعالَى: ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ [الحج: ٢٥] واللهُ أَعلمُ بالصَّوابِ (١).

وقالَ ابنُ قُدامةَ : فصلٌ في القَطائعِ وهي ضَربانِ:

أحدُهما: إِقطاعُ إِرفاقٍ، وذلك إِقطاعُ مَقاعدِ السُّوقِ والطُّرقِ الواسِعةِ ورِحابِ المَساجدِ التي ذكَرْنا أنَّ للسَّابقِ إليها الجُلوسَ، فللإمامِ إِقطاعُها لمَن يَجلِسُ فيها؛ لأنَّ له في ذلك اجتِهادًا مِنْ حيثُ إنَّه لا يَجوزُ الجُلوسُ إلا فيما لا يَضرُّ بالمارَّةِ، فكانَ للإمامِ أنْ يُجلِسَ فيها مَنْ لا يَرى أنَّه يُتضرَّرُ بجُلوسِه، ولا يَملكَها المُقطَعُ بذلك، بل يَكونُ أحقَّ بالجُلوسِ فيها مِنْ غيرِه بمَنزلةِ السابقِ إليها مِنْ غيرِ إِقطاعٍ سَواءً إلا في شيءٍ واحدٍ، وهو أنَّ السابقَ إذا نقَلَ مَتاعَه عنها فلغيرِه الجُلوسُ فيها؛ لأنَّ استِحقاقَه لها بسَبقِه إليها ومُقامِه فيها، فإذا انتَقلَ عنها زالَ استِحقاقُه؛ لزَوالِ المَعنى الذي استَحقَّ به، وهذا استَحقَّ بإِقطاعِ الإمامِ فلا يَزولُ حقُّه بنَقلِ مَتاعِه ولا يَضرُّه الجُلوسُ


(١) «الحاوي الكبير» (٧/ ٤٩٣، ٤٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>