للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما فناءُ المَسجدِ فإنْ كانَ في الجُلوسِ فيهِ إِضرارٌ بأهلِ المَسجدِ مُنعوا منه، وإنْ لَم يَكنْ فيه إِضرارٌ بأهلِ المَسجدِ فهل يَلزمُ استِئذانُ الإمامِ فيه أم لا؟ على وَجهينِ، إنْ قيلَ إنَّ فناءَ الملكِ لا يَلزمُ استِئذانُ ربِّه فيه لَم يَلزمِ استِئذانُ الإمامِ في فِناءِ المَسجدِ، وإذنُ الإمامِ إذنُ اجتِهادٍ في الأَصلحِ، وسَواءٌ في فِناءِ المَسجدِ جِيرانُه والأَباعدُ.

وأما الضَّربُ الثالثُ: وهو ما يَختَصُّ بالارتِفاقِ فيه بأَقنيةِ الشَّوارعِ والطُّرقاتِ أنْ يَجلسَ فيها السّوقةُ بأَمتعتِهم ليَبيعوا ويَشتروا فهذا مُباحٌ؛ لمَا قدَّمْنا مِنْ الدَّليلِ عليه، وللإمامِ أنْ يَنظُرَ فيه، واختَلفَ أَصحابُنا في حُكمِ نَظرِ الإمامِ فيه على وَجهينِ:

أحدُهما: أنَّ نظَرَه فيه مَقصورٌ على كفِّهِم عن التَّعدِّي ومَنعِهم مِنْ الإِضرارِ، وليسَ له أنْ يَمنعَ جالسًا ولا أنْ يُقدِّمَ أحدًا.

والوجهُ الثانِي: أنَّ نَظرَه نَظرُ مُجتهِدٍ فيما يَراه صَلاحًا، مِنْ إِجلاسِ مَنْ يُجلِسُه ومنعِ مَنْ يَمنعُه وتَقديمِ مَنْ يُقدِّمُه، كما يَجتهدُ في أَموالِ بَيتِ المالِ، فإذا أخَذَ الباعةُ مَقاعدَهم في أَقنيةِ الأَسواقِ والطُّرقاتِ رُوعِي في جُلوسِهم ألَّا يَضُرُّوا بمارٍّ ولا يُضيِّقوا على سائلٍ، وليسَ للإمامِ أنْ يَأخذَ منهم أُجرةَ مَقاعدِهم، فلو جلَسَ رَجلٌ بمَتاعِه في مَكانٍ فجاءَ غيرُه لِيُقيمَه منه ويَجلسَ مَكانَه لَم يَجزْ ما كانَ الأولُ جالسًا بمَتاعِه، فلو قامَ ومَتاعُه في المَكانِ فهو على حقِّه فيه ومَنعِ غيرِه منه، فإذا قاموا مِنْ مَقاعدِهم بأَمتعتِهم عندَ دُخولِ اللَّيلِ ثُم غدَوا إليها مِنْ الغدِ كانَ كلُّ مَنْ سبَقَ إلى مَكانٍ أَحقَّ به، ولا يَستحِقُّ العَودَ إلى المَكانِ الذي كانَ فيه وعُرفَ به.

<<  <  ج: ص:  >  >>