عنه لَم يَكنْ له أنْ يَمنعَه مِنْ غيرِه، قالَ: وهكذا القومُ مِنْ العَربِ يَحلُّونَ المَوضعَ مِنْ الأرضِ في أَبنيتِهم مِنْ الشَّعرِ وغيرِه ثُم يَنتجِعونَ عنه لا تَكونُ هذه عِمارةً يَملِكونَ بها حيثُ نزَلوا، وكذلك لو بَنَوا خِيامًا؛ لأنَّ الخِيامَ تَجفُّ وتَحولُ تَحويلَ أَبنيةِ الشَّعرِ والفَساطيطِ، وهذا والمَقاعدُ بالسُّوقِ ليسَ بإِحياءِ مَواتٍ (١).
وقالَ الإمامُ الماوَرديُّ ﵀: الارتِفاقُ بمَقاعدِ الأَسواقِ وأَفنيةِ الشِّوارعِ وحَريمِ الأَمصارِ ومَنازلِ الأَسفارِ أنْ يَجلِسَ فيه الباعةُ وأنْ تُحَطُّ فيه الرِّحالُ، فهذا مُباحٌ قد أقَرَّ رَسولُ اللهِ ﷺ الناسَ عليه بمَكةَ والمَدينةِ، ومكَّنَ الخُلفاءُ الراشِدونَ بعدَه في الأَمصارِ كلِّها فُتوحَها ومُحياها، ولأنَّ حاجةَ الناسِ إلى ذلك ماسَّةٌ وضَرورتُهم إليه داعِيةٌ، فجَرى مَجرى الاستِطراقِ والارِتفاقِ …
فإذا تَقرَّرَ جوازُ الارتِفاقِ بما وصَفْنا فهو على ثَلاثةِ أَضربٍ:
ضَربٌ يَختَصُّ الارتِفاقُ فيه بالصَّحاري والفَلواتِ، وضَربٌ يَختَصُّ الارتِفاقُ فيه بأَقنيةِ المَنازلِ والأَملاكِ، وضَربٌ يَختَصُّ الارتِفاقُ فيه بأَقنيةِ الشَّوارعِ والطُّرقاتِ.
فأما الضربُ الأولُ: وهو ما يَختَصُّ الارتِفاقُ فيه بالصَّحاري والفَلواتِ كمَنازلِ المُسافِرينَ إذا حَلّوا في أَسفارِهم بمَنزلِ استِراحةٍ فلا نظَرَ للإمامِ
(١) «الأم» (٤/ ٤٣)، ويُنظَر: «البيان» (٧/ ٤٩٦)، و «تحرير الأحكام في تدبير أهل الإِسلام» (١/ ١١٦).