وعلى الفَقيهِ الفِكرُ فيه، ولا يَختصُّ بالإِقطاعاتِ، بل الرِّزَقُ التي يُطلِقُها السُّلطانُ للفُقراءِ وغيرِهم يَجرِي فيها هذا الكَلامُ، ومِن فَوائدِ النَّظرِ في ذلك أنَّه لو تَعدَّى أحدٌ وزرَعَها هل نَقولُ: يَجبُ عليه أُجرتُها لصاحبِها؛ لأنَّه ملَكَ مَنفعتَها بالإِقطاعِ؟ أو الإِطلاقُ مُجردُ الاختِصاصِ المُتحجِّرِ وهي باقِيةٌ على اشتِراكِ الناسِ فيها والزُّارعُ أحدُهم؟
وقالَ القاضِي عِياضٌ: الإِقطاعُ: تَسويغُ الإمامِ مِنْ بيتِ المالِ شيئًا لمَن يَراه أهلًا لذلك، وأكثرُ ما يُستعمَلُ في إِقطاعِ الأرضِ وهو أنْ يُخرِجَ منها له ما يَجوزُه، وإما أنْ يُملِّكَه إيَّاه فيُعمِّرَه أو يَجعلَ له غلَّتَه مدةً هذا مَعنى الإِقطاعِ الذي في هذا الزَّمانِ، إلا أنَّ أَصحابَنا لَم يَذكُروه اه.
قالَ الأَذرعيُّ: ولا أظنُّ في جَوازِ الإِقطاعِ المَذكورِ إذا صدَرَ في مَحلِّه لمَن هو مِنْ أَهلِ النَّجدةِ قَدرًا يَليقُ بالحالِ مِنْ غيرِ مُجازفةٍ خِلافًا بينَ المُسلِمينَ، وممن ذكَرَ ذلك أَبو عليٍّ الفارقيُّ قالَ: ثُم بعدَ هذا وقَفتُ على مُصنَّفٍ قَديمٍ لبعضِ أَصحابِنا، سمَّاه «كتاب مَعرفةِ أَحكامِ أَراضِي الإِسلامِ وتَصرُّف الإمامِ» ذكَرَ فيه أنَّه يَجوزُ للإمامِ أنْ يُقطِعَ الجُنديَّ مِنْ أَراضِي بَيتِ المالِ ما يَحتاجُ إليه على قَدرِ حاجتِه مِنْ غيرِ زِيادةٍ، قالَ: وما يَأخذُه الجُنديُّ على الزِّراعةِ ليسَ بخَراجٍ، بل هو أُجرةُ الأرضِ، ويَحلُّ لهم تَناولُ الغلَّةِ وغيرِها إذا كانَ بالاتِّفاقِ والمُراضاةِ، وأما الزِّيادةُ على ذلك فحَرامٌ قَطعًا، وكذا ما يَأخذُه المُقطِعونَ مِنْ الفَلاحينَ والمُزارِعينَ مِنْ الغَنمِ والدَّوابِّ والعَسلِ والدَّجاجِ فهو جَورٌ وظُلمٌ اه.